(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (٧٨)
____________________________________
سبحانه من الأصنام والكواكب وعلى الثانى هو تفصيل لما ذكر من إراءة ملكوت السموات والأرض وبيان لكيفية استدلاله عليهالسلام ووصوله إلى رتبة الإيقان ومعنى (جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) ستره يظلامه وقوله تعالى (رَأى كَوْكَباً) جواب لما فإن رؤيته إنما تتحقق بزوال نور الشمس عن الحس وهذا صريح فى* أنه لم يكن فى ابتداء الطلوع بل كان غيبته عن الحس بطريق الاضمحلال بنور الشمس والتحقيق أنه كان قريبا من الغروب كما ستعرفه قيل كان ذلك الكوكب هو الزهرة وقيل هو المشترى وقوله تعالى (قالَ هذا رَبِّي) استئناف مبنى على سؤال نشأ من الشرطية السابقة المتفرعة على بيان إراءته عليهالسلام ملكوت السموات والأرض فإن ذلك مما يحمل السامع على استكشاف ما ظهر منه عليهالسلام من آثار تلك الإراءة وأحكامها كأنه قيل فماذا صنع عليهالسلام حين رأى الكوكب فقيل قال على سبيل الوضع والفرض هذا ربى مجاراة مع أبيه وقومه الذين كانوا يعبدون الأصنام والكواكب فإن المستدل على فساد قول يحكيه على رأى خصمه ثم يكر عليه بالإبطال ولعل سلوك هذه الطريقة فى بيان استحالة ربوبية الكواكب دون بيان استحالة إلهية الأصنام لما أن هذا أخفى بطلانا واستحالة من الأول فلو صدع بالحق من أول الأمر كما فعله فى حق عبادة الأصنام لتمادوا فى المكابرة والعناد ولجوا فى طغيانهم يعمهون وقيل قاله عليهالسلام على وجه النظر والاستدلال وكان ذلك فى زمان مراهقته وأول أوان بلوغه وهو مبنى على تفسير الملكوت بآياتهما وعطف قوله تعالى (لِيَكُونَ) على ما ذكر من العلة المقدرة وجعل قوله تعالى (فَلَمَّا جَنَ) الخ تفصيلا لما ذكر من الإراءة وبيانا لكيفية الاستدلال وأنت خبير بأن كل ذلك مما يخل بجزالة النظم الجليل وجلالة منصب الخليل عليه الصلاة والسلام (فَلَمَّا أَفَلَ) أى غرب (قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) أى الأرباب المنتقلين من مكان إلى مكان المتغيرين من حال إلى حال المحتجبين بالأستار فإنهم بمعزل من استحقاق الربوبية قطعا (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً) أى مبتدئا فى الطلوع إثر غروب الكوكب (قالَ هذا رَبِّي) على الأسلوب السابق (فَلَمَّا أَفَلَ) كما أفل النجم (قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي) إلى جنابه الذى* هو الحق الذى لا محيد عنه (لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فإن شيئا مما رأيته لا يليق بالربوبية وهذا مبالغة* منه عليهالسلام فى إظهار النصفة ولعله عليهالسلام كان إذ ذاك فى موضع كان فى جانبه الغربى جبل شامخ يستتر به الكوكب والقمر وقت الظهر من النهار أو بعده بقليل وكان الكوكب قريبا منه وأفقه الشرقى مكشوف أولا وإلا فطلوع القمر بعد أفول الكوكب ثم أفوله قبل طلوع الشمس كما ينبىء عنه قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً) أى مبتدئة فى الطلوع مما لا يكاد يتصور (قالَ) أى على النهج السابق