(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩) وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٨٠)
____________________________________
* (هذا رَبِّي) وإنما لم يؤنث لما أن المشار إليه والمحكوم عليه بالربوبية هو الجرم المشاهد من حيث هو لا من حيث هو مسمى باسم من الأسامى فضلا عن حيثية تسميته بالشمس أو لتذكير الخبر وصيانة* الرب عن وصمة التأنيث وقوله تعالى (هذا أَكْبَرُ) تأكيد لما رامه عليهالسلام من إظهار النصفة مع* إشارة خفية إلى فساد دينهم من جهة أخرى ببيان أن الأكبر أحق بالربوبية من الأصغر (فَلَمَّا أَفَلَتْ) * هى أيضا كما أفل الكوكب والقمر (قالَ) مخاطبا للكل صادعا بالحق بين أظهرهم (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) أى من الذى تشركونه من الأجرام المحدثة المتغيرة من حالة إلى أخرى المسخرة لمحدثها أو من إشراككم وترتيب هذا الحكم ونظيريه على الأفول دون البزوغ والظهور من ضروريات سوق الاحتجاج على هذا المساق الحكيم فإن كلا منهما وإن كان فى نفسه انتقالا منافيا لاستحقاق معروضه للربوبية قطعا لكن لما كان الأول حالة موجبة لظهور الآثار والأحكام ملائمة لتوهم الاستحقاق فى الجملة رتب عليها الحكم الأول على الطريقة المذكورة وحيث كان الثانى حالة مقتضية لانطماس الآثار وبطلان الأحكام المنافيين للاستحقاق المذكور منافاة بينة يكاد يعترف بها كل مكابر عنيد رتب عليها ما رتب ثم لما تبرأ عليهالسلام منهم توجه إلى مبدع هذى المصنوعات ومنشئها فقال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ) التى هذه الأجرام التى تعبدونها من أجزائها (وَالْأَرْضَ) التى تغيب هى فيها* (حَنِيفاً) أى مائلا عن الأديان الباطلة والعقائد الزائغة كلها (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فى شىء من الأفعال والأقوال (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) أى شرعوا فى مغالبته فى أمر التوحيد (قالَ) استئناف وقع جوابا عن سؤال نشأ من حكاية محاجتهم كأنه قيل فماذا قال عليهالسلام حين حاجوه فقيل قال منكرا لما اجترءوا* عليه من محاجته مع قصورهم عن تلك الرتبة وعزة المطلب وقوة الخصم (أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ) بإدغام نون* الجمع فى نون الوقاية وقرىء بحذف الأولى وقوله تعالى (وَقَدْ هَدانِ) حال من ضمير المتكلم مؤكدة للإنكار فإن كونه عليهالسلام مهديا من جهة الله تعالى ومؤيدا من عنده مما يوجب استحالة محاجته عليهالسلام أى أتجادلوننى فى شأنه تعالى ووحدانيته والحال أنه تعالى هدانى إلى الحق بعد ما سلكت* طريقتكم بالفرض والتقدير وتبين بطلانها تبينا تاما كما شاهدتموه وقوله تعالى (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) جواب عما خوفوه عليهالسلام فى أثناء المحاجة من إصابة مكروه من جهة أصنامهم كما قال لهود عليهالسلام قومه إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ولعلهم فعلوا ذلك حين فعل عليهالسلام بآلهتهم* ما فعل وما موصولة اسمية حذف عائدها وقوله تعالى (إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) استثناء مفرغ من أعم الأوقات أى لا أخاف ما تشركونه به سبحانه من معبوداتكم فى وقت من الأوقات إلا فى وقت مشيئته