(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٨١)
____________________________________
تعالى شيئا من إصابة مكروه بى من جهتها وذلك إنما هو من جهته تعالى من غير دخل لآلهتكم فيه أصلا وفى التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليهالسلام إظهار منه لانقياده لحكمه سبحانه وتعالى واستسلام لأمره واعتراف بكونه تحت ملكوته وربوبيته وقوله تعالى (وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً) * كأنه تعليل للاستثناء أى أحاط بكل شىء علما فلا يبعد أن يكون فى علمه تعالى أن يحيق بى مكروه من قبلها بسبب من الأسباب وفى الإظهار فى موضع الإضمار تأكيد للمعنى المذكور واستلذاذ بذكره تعالى (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) أى أتعرضون عن التأمل فى أن آلهتكم جمادات غير قادرة على شىء ما من نفع ولا ضر* فلا تتذكرون أنها غير قادرة على إضرارى وفى إيراد التذكر دون التفكر ونظائره إشارة إلى أن أمر أصنامهم مركوز فى العقول لا يتوقف إلا على التذكر وقوله تعالى (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ) استئناف مسوق لنفى الخوف عنه عليهالسلام بحسب زعم الكفرة بالطريق الإلزامى كما سيأتى بعد نفيه عنه بسبب الواقع ونفس الأمر والاستفهام لإنكار الوقوع ونفيه بالكلية كما فى قوله تعالى (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ) الآية لا لإنكار الواقع واستبعاده مع وقوعه كما فى قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ) الخ وفى توجيه الإنكار إلى كيفية الخوف من المبالغة ما ليس فى توجيهه إلى نفسه بأن يقال أأخاف لما أن كل موجود يجب أن يكون وجوده على حال من الأحوال وكيفية من الكيفيات قطعا فإذا انتفى جميع أحواله وكيفياته فقد انتفى وجوده من جميع الجهات بالطريق البرهانى وقوله تعالى (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ) حال من ضمير (أَخافُ) بتقدير مبتدأ والواو كافية فى الربط من غير حاجة إلى الضمير العائد إلى ذى الحال وهو مقرر لإنكار الخوف ونفيه عنه عليهالسلام ومفيد لاعترافهم بذلك فإنهم حيث لم يخافوا فى محل الخوف فلأن لا يخاف عليهالسلام فى محل الأمن أولى وأحرى أى وكيف أخاف أنا ما ليس فى حيز الخوف أصلا وأنتم لا تخافون غائلة ما هو أعظم المخوفات وأهولها وهو إشراككم بالله الذى ليس كمثله شىء فى الأرض ولا فى السماء ما هو من جملة مخلوقاته وإنما عبر عنه بقوله تعالى (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) أى بإشراكه (عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) على طريقة النهكم مع الإيذان بأن الأمور الدينية لا يعول* فيها إلا على الحجة المنزلة من عند الله تعالى وفى تعليق الخوف الثانى بإشراكهم من المبالغة ومراعاة حسن الأدب ما لا يخفى هذا وأما ما قيل من أن قوله تعالى (وَلا تَخافُونَ) الخ معطوف على (أَخافُ) داخل معه فى حكم الإنكار والتعجيب فمما لا سبيل إليه أصلا لافضائه إلى فساد المعنى قطعا كيف لا وقد عرفت أن الإنكار بمعنى النفى بالكلية فيؤول المعنى إلى نفى الخوف عنه عليه الصلاة والسلام ونفى نفيه عنهم وأنه بين الفساد وحمل الإنكار فى الأول على معنى نفى الوقوع وفى الثانى على استبعاد الواقع مما لا مساغ له على أن قوله تعالى (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) ناطق ببطلانه حتما فإنه كلام مرتب على إنكار خوفه عليه الصلاة*