(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢) وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (٨٣)
____________________________________
والسلام فى محل الأمن مع تحقق عدم خوفهم فى محل الخوف مسوق لالجائهم إلى الاعتراف باستحقاقه عليه الصلاة والسلام لما هو عليه من الأمن وبعدم استحقاقهم لما هم عليه وإنما جىء بصيغة التفضيل المشعرة باستحقاقهم له فى الجملة لاستنزالهم عن رتبة المكابرة والاعتساف بسوق الكلام على سنن الانصاف والمراد بالفريقين الفريق الآمن فى محل الأمن والفريق الآمن فى محل الخوف فإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال فأينا أحق بالأمن من أنا أم أنتم لتأكيد الإلجاء إلى الجواب الحق بالتنبيه على علة* الحكم والتفادى عن التصريح بتخطئتهم لا لمجرد الاحتراز عن تزكية النفس (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) المفعول إما محذوف تعويلا على ظهوره بمعونة المقام أى إن كنتم تعلمون من أحق بذلك أو قصدا إلى التعميم أى إن كنتم تعلمون شيئا وإما متروك بالمرة أى إن كنتم من أولى العلم وجواب الشرط محذوف أى فأخبرونى (الَّذِينَ آمَنُوا) استئناف من جهته تعالى مبين للجواب الحق الذى لا محيد عنه أى الفريق الذين آمنوا* (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ) ذلك أى لم يخلطوه (بِظُلْمٍ) أى بشرك كما يفعله الفريق المشركون حيث يزعمون أنهم يؤمنون بالله عزوجل وأن عبادتهم للأصنام من تتمات إيمانهم وأحكامه لكونها لأجل التقريب* والشفاعة كما قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى وهذا معنى الخلط (أُولئِكَ) إشارة إلى الموصول من حيث اتصافه بما فى حيز الصلة وفى الإشارة إليه بعد وصفه بما ذكر إيذان بأنهم تميزوا بذلك عن غيرهم وانتظموا فى سلك الأمور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للإشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم فى الشرف* وهو مبتدأ ثان وقوله تعالى (لَهُمُ الْأَمْنُ) جملة من خبر مقدم ومبتدأ مؤخر وقعت خبرأ ل (أُولئِكَ) وهو مع خبره خبر للمبتدأ الأول الذى هو الموصول ويجوز أن يكون (أُولئِكَ) بدلا من الموصول أو عطف بيان له و (لَهُمُ) خبرا للموصول و (الْأَمْنُ) فاعلا للظرف لاعتماده على المبتدأ ويجوز أن يكون (لَهُمُ) خبرا مقدما و (الْأَمْنُ) مبتدأ والجملة خبرا للموصول ويجوز أن يكون (أُولئِكَ) مبتدأ ثانيا و (لَهُمُ) خبره و (الْأَمْنُ) فاعلا له والجملة خبر للموصول أى أولئك الموصوفين بما ذكر من الإيمان الخالص عن شوب الشرك لهم الأمن* فقط (وَهُمْ مُهْتَدُونَ) إلى الحق ومن عداهم فى ضلال مبين. روى أنه لما نزلت الآية شق ذلك على الصحابة رضوان الله عليهم وقالوا أينا لم يظلم نفسه فقال عليه الصلاة والسلام ليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان لابنه (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) وليس الإيمان به أن يصدق بوجود الصانع الحكيم ويخلط بهذا التصديق الإشراك به وليس من قضية الخلط بقاء الأصل بعد الخلط حقيقة وقيل المراد بالظلم المعصبة التى تفسق صاحبها والظاهر هو الأول لوروده مورد الجواب عن حالة الفريقين (وَتِلْكَ) إشارة إلى ما احتج به إبراهيم عليهالسلام من قوله تعالى (فَلَمَّا جَنَ) وقيل من قوله (أَتُحاجُّونِّي) إلى قوله (مُهْتَدُونَ) وما فى اسم الإشارة من معنى البعد لتفخيم شأن المشار إليه والإشعار بعلو طبقته وسمو منزلته