(أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ (٩٠) وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) (٩١)
____________________________________
كلا من هؤلاء الطوائف موفقون للإيمان بالأنبياء وبالكتب المنزلة إليهم عاملون بما فيها من أصول الشرائع وفروعها الباقية فى شريعتنا وبه يتحقق الخروج عن عهدة التوكيل والتكليف دون المنسوخة منها فإنها بانتساخها خارجة عن كونها من أحكامها وقد مر تحقيقه فى تفسير سورة المائدة وقيل هم الأنبياء المذكورون فالمراد بالتوكيل الأمر بما هو أعم من إجراء أحكامها كما هو شأنهم فى حق كتابهم ومن اعتقاد حقيتها كما هو شأنهم فى حق سائر الكتب التى من جملتها القرآن الكريم وقيل هم الملائكة فالتوكيل هو الأمر بإيزالها وحفظها واعتقاد حقيتها وأيا ما كان فتنكير قوما للتفخيم والباء الأولى صلة لكافرين قدمت عليه محافظة على الفواصل والثانية لتأكيد النفى وأما تقديم صلة وكلنا على مفعوله الصريح فلما ذكر آنفا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر ولأن فيه نوع طول ربما يؤدى تقديمه إلى الإخلال بتجاوب النظم الكريم أو إلى الفصل بين الصفة والموصوف وجواب الشرط محذوف يدل عليه المذكور أى فإن يكفر بها هؤلاء فلا اعتداد به أصلا فقد وفقنا للإيمان بها قوما فخاما ليسوا بكافرين بها قطعا بل مستمرون على الإيمان بها والعمل بما فيها ففى إيمانهم بها مندوحة عن إيمان هؤلاء ومن هذا تبين أن الوجه أن يكون المراد بالقوم إحدى الطوائف المذكورة إذ بإيمانهم بالقرآن والعمل بأحكامه تتحقق الغنية عن إيمان الكفرة به والعمل بأحكامه وأما الأنبياء والملائكة عليهمالسلام فإيمانهم به ليس من قبيل إيمان آحاد الأمة كما أشير إليه (أُولئِكَ) إشارة إلى الأنبياء المذكورين وما فيه من معنى البعد* للإيذان بعلو رتبتهم وهو مبتدأ خبره قوله تعالى (الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أى إلى الحق والنهج المستقيم والالتفات* إلى الاسم الجليل للإشعار بعلة الهداية (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) أى فاختص هداهم بالاقتداء ولا تقتد بغيرهم والمراد بهداهم طريقتهم فى الإيمان بالله تعالى وتوحيده وأصول الدين دون الشرائع القابلة للنسخ فإنها بعد النسخ لا تبقى هدى والهاء فى اقتده للوقف حقها أن تسقط فى الدرج واستحسن إثباتها فيه أيضا إجراء* له مجرى الوقف واقتداء بالإمام وقرىء بإشباعها على أيها كناية المصدر (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أى على* القرآن أو على التبليغ فإن مساق الكلام يدل عليهما وإن لم يجر ذكرهما (أَجْراً) من جهتكم كما لم يسأله* من قبلى من الأنبياء عليهمالسلام وهذا من جملة ما أمر صلىاللهعليهوسلم بالاقتداء بهم فيه (إِنْ هُوَ) أى ما القرآن (إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) أى عظة وتذكير لهم كافة من جهته سبحانه فلا يختص بقوم دون آخرين (وَما