(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) (٩٢)
____________________________________
معطوف عليه والعائد إلى الموصول محذوف أى كثيرا منها وقيل كلام مبتدأ لا محل له من الإعراب والمراد بالكثير نعوت النبى عليه الصلاة والسلام وسائر ما كتموه من أحكام التوراة وقرىء الأفعال* الثلاثة بالياء حملا على قالوا وما قدروا وقوله تعالى (وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ) قيل هو حال من فاعل (تَجْعَلُونَهُ) بإضمار قد أو بدونه على اختلاف الرأيين قلت فينبغى أن يجعل ما عبارة عما أخذوه من الكتاب من العلوم والشرائع ليكون التقييد بالحال مفيدا لتأكيد التوبيخ وتشديد التشنيع فإن ما فعلوه بالكتاب من التفريق والتقطيع لما ذكر من الإبداء والإخفاء شناعة عظيمة فى نفسها ومع ملاحظة كونه مأخذا لعلومهم ومعارفهم أشنع وأعظم لا عما تلقوه من جهة النبى صلىاللهعليهوسلم زيادة على ما فى التوراة وبيانا لما التبس عليهم وعلى آبائهم من مشكلاتها حسبما ينطق به قوله تعالى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) كما قالوا لأن تلقيهم لذلك من القرآن الكريم ليس مما يزجرهم عما صنعوا بالتوراة أما ما ورد فيه زيادة على ما فيها فلأنه لا تعلق له بها نفيا ولا إثباتا وأما ما ورد بطريق البيان فلأن مدار ما فعلوا بها من التبديل والتحريف ليس ما وقع فيها من التباس الأمر واشتباه الحال حتى يقلعوا عن ذلك بإيضاحه وبيانه فتكون الجملة حينئذ خالية عن تأكيد التوبيخ فلا تستحق أن تقع موقع الحال بل الوجه حينئذ أن تكون استئنافا مقررا لما قبلها من مجىء الكتاب بطريق التكملة والاستطراد والتمهيد لما يعقبه من مجىء القرآن ولا سبيل إلى جعل ما عبارة عما كتموه من أحكام التوراة كما يفصح عنه قوله تعالى (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) فإن ظهوره وإن كان مزجرة لهم عن الكتم مخافة الافتضاح ومصححا لوقوع الجملة فى موقع الحال لكن ذلك مما يعلمه الكاتمون حتما هذا* وقد قيل الخطاب لمن آمن من قريش كما فى قوله تعالى (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) وقوله تعالى (قُلِ اللهُ) أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن يجيب عنهم إشعارا بتعين الجواب بحيث لا محيد عنه وإيذانا بأنهم أفحموا* ولم يقدروا على التكلم أصلا (ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ) فى باطلهم الذى يخوضون فيه ولا عليك بعد إلزام* الحجة وإلقام الحجر (يَلْعَبُونَ) حال من الضمير الأول والظرف صلة للفعل المقدم أو المؤخر أو متعلق بمحذوف هو حال من مفعول الأول أو من فاعل الثانى أو الضمير الثانى لأنه فاعل فى الحقيقة والظرف متصل بالأول (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) تحقيق لنزول القرآن الكريم بعد تقرير إنزال ما بشر به من* التوراة وتكذيب لهم فى كلمتهم الشنعاء إثر تكذيب (مُبارَكٌ) أى كثير الفوائد وجم المنافع (مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة لنزوله حسبما وصف فيها أو الكتب التى قبله فإنه مصدق للكل فى إثبات* التوحيد والأمر به ونفى الشرك والنهى عنه وفى سائر أصول الشرائع التى لا تنسخ (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) عطف على ما دل عليه (مُبارَكٌ) أى للبركات ولإنذارك أهل مكة وإنما ذكرت باسمها المنبىء عن كونها أعظم القرى شأنا وقبلة لأهلها قاطبة إيذانا بأن إنذار أهلها أصل مستتبع لإنذار أهل الأرض كافة وقرىء