(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٩٩)
____________________________________
* بخلاف الاستيداع (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ) المبينة لتفاصيل خلق البشر من هذه الآية ونظائرها (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) غوامض الدقائق باستعمال الفطنة وتدقيق النظر فى لطائف صنع الله عزوجل فى أطوار تخليق بنى آدم مما تحار فى فهمه الألباب وهو السر فى إيثار يفقهون على يعلمون كما ورد فى شأن النجوم (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) تذكير لنعمة أخرى من نعمه تعالى منبئة عن كمال قدرته تعالى وسعة رحمته أى أنزل من السحاب أو من سمت السماء ماء خاصا هو المطر وتقديم الجار والمجرور على المفعول* الصريح لما مر مرارا (فَأَخْرَجْنا بِهِ) التفت إلى التكلم إظهارا لكمال العناية بشأن ما أنزل الماء لأجله أى* فأخرجنا بعظمتنا بذلك الماء مع وحدته (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) من الأشياء التى من شأنها النمو من أصناف النجم والشجر وأنواعهما المختلفة فى الكم والكيف والخواص والآثار اختلافا متفاوتا فى مراتب الزيادة والنقصان حسبما يفصح عنه قوله تعالى (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) وقوله تعالى* (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً) شروع فى تفصيل ما أجمل من الإخراج وقد بدىء بتفصيل حال النجم أى فأخرجنا من النبات الذى لا ساق له شيئا غضا أخضر يقال شىء أخضر وخضر كأعور وعور وأكثر ما يستعمل* الخضر فيما تكون خضرته خلقية وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة وقوله تعالى (نُخْرِجُ مِنْهُ) صفة لخضرا وصيغة المضارع لاستحضار الصورة لما فيها من الغرابة أى نخرج من ذلك الخضر (حَبًّا مُتَراكِباً) هو السنبل المنتظم للحبوب المتراكبة بعضها فوق بعض على هيئة مخصوصة وقرىء يخرج منه* حب متراكب وقوله تعالى (وَمِنَ النَّخْلِ) شروع فى تفصيل حال الشجر إثر بيان حال النجم فقوله تعالى* (مِنَ النَّخْلِ) خبر مقدم وقوله تعالى (مِنْ طَلْعِها) بدل منه بإعادة العامل كما فى قوله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) الخ والطلع شىء يخرج من النخل كأنه نعلان مطبقان والحمل بينهما* منضود وقوله تعالى (قِنْوانٌ) مبتدأ أى وحاصلة من طلع النخل قنوان ويجوز أن يكون الخبر محذوفا لدلالة أخرجنا عليه أى ومخرجة من طلع النخل قنوان ومن قرأ يخرج منه حب متراكب كان قنوان عنده معطوفا على حب وقيل المعنى وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان أو ومن النخل شىء من طلعها قنوان وهو جمع قنو وهو عنقود النخلة كصنو وصنوان وقرىء بضم القاف كذئب وذؤبان* وبفتحها أيضا على أنه اسم جمع لأن فعلان ليس من أبنية الجمع (دانِيَةٌ) سهلة المجتنى قريبة من القاطف فإنها وإن كانت صغيرة ينالها القاعد تأتى بالثمر لا ينتظر الطول أو ملتفة متقاربة والاقتصار على ذكرها* لدلالتها على مقابلها كقوله تعالى (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ولزيادة النعمة فيها (وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ) عطف على (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) أى وأخرجنا به جنات كائنة من أعناب وقرىء جنات بالرفع على الابتداء أى ولكم