(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) (١٥)
____________________________________
نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) بيان لقبائح النصارى وجناياتهم إثر بيان قبائح اليهود وخياناتهم ومن متعلقة بأخذنا إذ التقدير وأخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم وتقديم الجار والمجرور للاهتمام به ولأن ذكر حال إحدى الطائفتين مما يوقع فى ذهن السامع أن حال الأخرى ماذا فكأنه قيل ومن الطائفة الأخرى أيضا أخذنا ميثاقهم وقيل هى متعلقة بمحذوف وقع خبرا لمبتدأ محذوف قامت صفته أو صلته مقامه أى ومنهم قوم أخذنا ميثاقهم أو من أخذنا ميثاقهم وضمير ميثاقهم راجع إلى الموصوف المقدر وأما فى الوجه الأول فراجع إلى الموصول وقيل راجع إلى بنى إسرائيل أى أخذنا من هؤلاء ميثاق أولئك أى مثل ميثاقهم من الإيمان بالله والرسل وبما يتفرع على ذلك من أفعال الخير وإنما نسب قسميتهم نصارى إلى أنفسهم دون أن يقال ومن النصارى إيذانا بأنهم فى قولهم نحن أنصار الله بمعزل من الصدق وإنما هو تقول محض منهم وليسوا من نصرة الله تعالى فى شىء أو إظهارا لكمال سوء صنيعهم ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم فإن ادعاءهم لنصرته تعالى يستدعى ثباتهم على طاعته تعالى ومراعاة ميثاقه (فَنَسُوا) عقيب أخذ الميثاق* من غير تلعثم (حَظًّا) وافرا (مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) فى تضاعيف الميثاق من الإيمان بالله تعالى وغير ذلك حسبما* مر آنفا وقيل هو ما كتب عليهم فى الإنجيل من أن يؤمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم فتركوه ونبذوه وراء ظهورهم واتبعوا أهواءهم فاختلفوا وتفرقوا نسطورية ويعقوبية وملكانية أنصارا للشيطان (فَأَغْرَيْنا) أى ألزمنا* وألصقنا من غرى بالشىء إذا لزمه ولصق به وأغراه غيره ومنه الغراء وقوله تعالى (بَيْنَهُمُ) إما ظرف* لأغرينا أو متعلق بمحذوف وقع حالا من مفعوله أى أغرينا (الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ) كائنة بينهم ولا سبيل إلى* جعله ظرفا لهما لأن المصدر لا يعمل فيما قبله وقوله تعالى (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إما غاية للإغراء أو للعداوة* والبغضاء أى يتعادون ويتباغضون إلى يوم القيامة حسبما تقتضيه أهواؤهم المختلفة وآراؤهم الزائغة المؤدية إلى التفرق إلى الفرق الثلاث فضمير بينهم لهم خاصة وقيل لهم ولليهود أى أغرينا العداوة والبغضاء بين اليهود والنصارى (وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) وعيد شديد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده* سأخبرك بما فعلت أى يجازيهم بما عملوه على الاستمرار من نقض الميثاق ونسيان الحظ الوافر مما ذكروا به وسوف لتأكيد الوعيد والالتفات إلى ذكر الاسم الجليل لتربية المهابة وإدخال الروعة لتشديد الوعيد والتعبير عن العمل بالصنع للإيذان برسوخهم فى ذلك وعن المجازاة بالتنبئة للتنبيه على أنهم لا يعلمون حقيقة ما يعملونه من الأعمال السيئة واستتباعها للعذاب فيكون ترتيب العذاب عليها فى إفادة العلم بحقيقة حالها بمنزلة الإخبار بها (يا أَهْلَ الْكِتابِ) التفات إلى خطاب الفريقين على أن الكتاب جنس شامل للتوراة والإنجيل إثر بيان أحوالهما من الخيانة وغيرها من فنون القبائح ودعوة لهم إلى الإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم والقرآن وإيرادهم بعنوان أهلية الكتاب لانطواء الكلام المصدر به على ما يتعلق بالكتاب