(يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١٦)
____________________________________
وللمبالغة فى التشنيع فإن أهلية الكتاب من موجبات مراعاته والعمل بمقتضاه وبيان ما فيه من الأحكام* وقد فعلوا من الكتم والتحريف ما فعلوا وهم يعلمون (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) الإضافة للتشريف والإيذان* بوجوب اتباعه وقوله تعالى (يُبَيِّنُ لَكُمْ) حال من رسولنا وإيثار الجملة الفعلية على غيرها للدلالة على* تجدد البيان أى قد جاءكم رسولنا حال كونه مبينا لكم على التدريج حسبما تقتضيه المصلحة (كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) أى التوراة والإنجيل كبعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وآية الرجم فى التوراة وبشارة عيسى بأحمد عليهماالسلام فى الإنجيل وتأخير كثيرا عن الجار والمجرور لما مر مرارا من إظهار العناية بالمقدم لما فيه من تعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر لأن ما حقه التقديم إذا أخر لا سيما مع الإشعار بكونه من منافع المخاطب تبقى النفس مترقبة إلى وروده فيتمكن عندها إذا ورد فضل تمكن ولأن فى المؤخر ضرب تفصيل ربما يخل تقديمه بتجاذب أطراف النظم الكريم فإن مما متعلق بمحذوف وقع صفة لكثيرا وما موصولة اسمية وما بعدها صلتها والعائد إليها محذوف ومن الكتاب متعلق بمحذوف هو حال من العائد المحذوف والجمع بين صيغتى الماضى والمستقبل للدلالة على استمرارهم على الكتم والإخفاء أى يبين لكم* كثيرا من الذى تخفونه على الاستمرار حال كونه من الكتاب الذى أنتم أهله والمتمسكون به (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أى ولا يظهر كثيرا مما تخفونه إذا لم تدع إليه داعية دينية صيانة لكم عن زيادة الافتضاح كما يفصح عنه التعبير عن عدم الإظهار بالعفو وفيه حث لهم على عدم الإخفاء ترغيبا وترهيبا والجملة معطوفة على الجملة* الحالية داخلة فى حكمها وقيل يعفو عن كثير منكم ولا يؤاخذه وقوله تعالى (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ) جملة مستأنفة مسوقة لبيان أن فائدة مجىء الرسول ليست منحصرة فيما ذكر من بيان ما كانوا يخفونه بل له منافع لا تحصى ومن الله متعلق بجاء ومن لابتداء الغاية مجازا أو بمحذوف وقع حالا من نور وأيا ما كان فهو تصريح بما يشعر به إضافة الرسول من مجيئه من جنابه عزوجل وتقديم الجار والمجرور على الفاعل للمسارعة إلى بيان كون المجىء من جهته العالية والتشويق إلى الجائى ولأن فيه نوع تطويل يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم كما فى قوله تعالى (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) * وتنوين نور للتفخيم والمراد به وبقوله تعالى (وَكِتابٌ مُبِينٌ) القرآن لما فيه من كشف ظلمات الشرك والشك وإبانة ما خفى على الناس من الحق والإعجاز البين والعطف لتنزيل المغايرة بالعنوان منزلة المغايرة بالذات وقيل المراد بالأول هو الرسول صلىاللهعليهوسلم وبالثانى القرآن (يَهْدِي بِهِ اللهُ) توحيد الضمير المجرور لاتحاد المرجع بالذات أو لكونهما فى حكم الواحد أو أريد يهدى بما ذكر وتقديم الجار والمجرور للاهتمام وإظهار الجلالة لإظهار كمال الاعتناء بأمر الهداية ومحل الجملة الرفع على أنها صفة ثانية لكتاب* أو النصب على الحالية منه لتخصصه بالصفة (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) أى رضاه بالإيمان به ومن موصولة أو