(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (١٧
____________________________________
موصوفة (سُبُلَ السَّلامِ) أى طرق السلامة من العذاب والنجاة من العقاب أو سبل الله تعالى وهى* شريعته التى شرعها للناس وقيل هو مفعول ثان ليهدى والحق أن انتصابه بنزع الخافض على طريقة قوله تعالى واختار موسى قومه وإنما يعدى إلى الثانى بإلى أو باللام كما فى قوله تعالى (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (وَيُخْرِجُهُمْ) الضمير لمن والجمع باعتبار المعنى كما أن الإفراد فى اتبع باعتبار اللفظ (مِنَ الظُّلُماتِ) * أى ظلمات فنون الكفر والضلال (إِلَى النُّورِ) إلى الإيمان (بِإِذْنِهِ) بتيسيره أو بإرادته (وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) هو أقرب الطرق إلى الله تعالى ومؤد إليه لا محالة وهذه الهداية عين الهداية إلى سبل السلام وإنما عطفت عليها تنزيلا للتغاير الوصفى منزلة التغاير الذاتى كما فى قوله تعالى (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) أى لا غير كما يقال الكرم هو التقوى وهم اليعقوبية القائلون بأنه تعالى قد يحل فى بدن إنسان معين أو فى روحه وقيل لم يصرح به أحد منهم لكن حيث اعتقدوا اتصافه بصفات الله الخاصة وقد اعترفوا بأن الله تعالى موجود فلزمهم القول بأنه المسيح لا غير وقيل لما زعموا أن فيه لا هو تاو قالوا لا إله إلا واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم (قُلْ) أى تبكيتا* لهم وإظهارا لبطلان قولهم الفاسد وإلقاما لهم الحجر والفاء فى قوله تعالى (فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئاً) فصيحة* ومن استفهامية للإنكار والتوبيخ والملك الضبط والحفظ التام عن حزم ومن متعلقة به على حذف المضاف أى إن كان الأمر كما تزعمون فمن يمنع من قدرته تعالى وإرادته شيئا وحقيقته فمن يستطيع أن يمسك شيئا منهما (إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) ومن حق من يكون إلها أن لا يتعلق* به ولا بشأن من شئونه بل بشىء من الموجودات قدرة غيره بوجه من الوجوه فضلا عن أن يعجز عن دفع شىء منها عند تعلقها بهلا كه فلما كان عجزه بينا لا ريب فيه ظهر كونه بمعزل مما تقولوا فى حقه والمراد بالإهلاك الإماتة والإعدام مطلقا لا بطريق السخط والغضب وإظهار المسيح على الوجه الذى نسبوا إليه الألوهية فى مقام الإضمار لزيادة التقرير والتنصيص على أنه من تلك الحيثية بعينها داخل تحت قهره وملكوته تعالى ونفى المالكية المذكورة بالاستفهام الإنكارى عن كل أحد مع تحقق الإلزام والتبكيت بنفيها عن المسيح فقط بأن يقال فهل يملك شيئا من الله إن أراد الخ لتحقيق الحق بنفى الألوهية عن كل ما عداه سبحانه وإثبات المطلوب فى ضمنه بالطريق البرهانى فإن انتفاء المالكية المستلزم لاستحالة الألوهية متى ظهر بالنسبة إلى الكل ظهر بالنسبة إلى المسيح على أبلغ وجه وآكده فيظهر استحالة ألوهيته قطعا وتعميم إرادة الإهلاك للكل مع حصول ما ذكر من التحقيق بقصرها عليه بأن يقال فمن يملك من الله شيئا إن