(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠٩)
____________________________________
به وقرىء عدوا يقال عدا يعدو عدوا وعدوا وعداء وعدوانا. روى أنهم قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم عند نزول قوله تعالى (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) لتنتهين عن سب آلهتنا أو لنهجون إلهك وقيل كان المسلمون يسونهم فنهوا عن ذلك لئلا يستتبع سبهم سبه سبحانه وتعالى وفيه أن الطاعة إذا* أدت إلى معصية راجحة وجب تركها فإن ما يؤدى إلى الشر شر (كَذلِكَ) أى مثل ذلك التزيين القوى* (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) من الخير والشر بإحداث ما يمكنهم منه ويحملهم عليه توفيقا أو تخذيلا ويجوز أن* يراد بكل أمة أمم الكفرة إذ الكلام فيهم وبعملهم شرهم وفسادهم والمشبه به تزيين سب الله تعالى لهم (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ) مالك أمرهم (مَرْجِعُهُمْ) أى رجوعهم بالبعث بعد الموت (فَيُنَبِّئُهُمْ) من غير تأخير (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) فى الدنيا على الاستمرار من السيئات المزينة لهم وهو وعيد بالجزاء والعذاب كقول الرجل لمن يتوعده سأخبرك بما فعلت وفيه نكتة سرية مبنية على حكمة أبية وهى أن كل ما يظهر فى هذه النشأة من الأعيان والأعراض فإنما يظهر بصورة مستعارة مخالفة لصورته الحقيقية التى بها يظهر فى النشأة الآخرة فإن المعاصى سموم قاتلة قد برزت فى الدنيا بصورة ما تستحسنها نفوس العصاة كما نطقت به هذه الآية الكريمة وكذا الطاعات فإنها مع كونها أحسن الأحاسن قد ظهرت عندهم بصورة مكروهة ولذلك قال صلىاللهعليهوسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات فأعمال الكفرة قد برزت لهم فى النشأة بصورة مزينة يستحسنها الغواة ويستحبها الطغاة وستظهر فى النشأة الآخرة بصورتها الحقيقية المنكرة الهائلة فعند ذلك يعرفون أن أعمالهم ماذا فعبر عن إظهارها بصورها الحقيقية بالإخبار بها لما أن كلا منهما سبب للعلم بحقيقتها كما هى فليتدبر قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ) روى أن قريشا اقترحوا بعض آيات فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقوننى فقالوا نعم وأقسموا لئن فعلته لنؤمنن جميعا* فسأل المسلمون رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينزلها طمعا فى إيمانهم فهم صلىاللهعليهوسلم بالدعاء فنزلت وقوله تعالى (جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) * مصدر فى موقع الحال أى أقسموا به تعالى جاهدين فى أيمانهم (لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ) من مقترحاتهم أو من جنس الآيات وهو الأنسب بحالهم فى المكابرة والعناد وترامى أمرهم فى العتو والفساد حيث كانوا* لا يعدون ما يشاهدونه من المعجزات الباهرة من جنس الآيات (لَيُؤْمِنُنَّ بِها) وما كان مرمى غرضهم فى ذلك إلا التحكم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى طلب المعجزة وعدم الاعتداد بما شاهدوا منه من البينات* الحقيقة بأن تقطع بها الأرض وتسير بها الجبال (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ) أى كلها فيدخل فيها ما اقترحوه دخولا* أوليا (عِنْدَ اللهِ) أى أمرها فى حكمه وقضائه خاصة يتصرف فيها حسب مشيئته المبنية على الحكم البالغة لا تتعلق بها ولا بشأن من شئونها قدرة أحد ولا مشيئته لا استقلالا ولا اشتراكا بوجه من الوجوه حتى يمكننى أن أتصدى لاستنزالها بالاستدعاء وهذا كما ترى سد لباب الاقتراح على أبلغ وجه وأحسنه