(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) (١٢٣)
____________________________________
المراد بهما اللفظ لا المعنى كما فى قولك زيد صفته أسمر وهذه الجملة صلة لمن وهى مجرورة بالكاف وهى مع مجرورها خبر لمن الأولى وقوله تعالى (لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) حال من المستكن فى الظرف وقيل من* الموصول أى غير خارج منها بحال وهذا كما ترى مثل أريد به من بقى فى الضلالة بحيث لا يفارقها أصلا كما أن الأول مثل أريد به من خلقه الله تعالى على فطرة الإسلام وهداه بالآيات البينة إلى طريق الحق يسلكه كيف يشاء لكن لا على أن يدل على كل واحد من هذه المعانى بما يليق به من الألفاظ الواردة فى المثلين بواسطة تشبيهه بما يناسبه من معانيها فإن ألفاظ المثل باقية فى معانيها الأصلية بل على أنه قد انتزعت من الأمور المتعددة المعتبرة فى كل واحد من جانبى الممثلين هيئة على حدة ومن الأمور المتعددة المذكورة فى كل واحد من جانبى المثلين هيئة على حدة فشبهت بهما الأوليان ونزلتا منزلتيهما فاستعمل فيهما ما يدل على الأخريين بضرب من التجوز وقد أشير فى تفسير قوله تعالى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية إلى أن التمثيل قسم برأسه لا سبيل إلى جعله من باب الاستعارة حقيقة وأن الاستعارة التمثيلية من عبارات المتأخرين نعم قد يجرى ذلك على سنن الاستعارة بأن لا يذكر المشبه كهذين التمثيلين ونظائرهما وقد يجرى على منهاج التشبيه كما فى قوله[وما الناس إلا كالديار وأهلها * بها يوم حلوها وغدوا بلاقع] (كَذلِكَ) أى مثل ذلك التزيين البليغ (زُيِّنَ) أى من جهة الله تعالى بطريق الخلق عند إيحاء* الشياطين أو من جهة الشياطين بطريق الزخرفة والتسويل (لِلْكافِرِينَ) التابعين للوساوس الشيطانية* الآخذين بالمزخرفات التى يوحونها إليهم (ما كانُوا يَعْمَلُونَ) ما استمروا على عمله من فنون الكفر* والمعاصى التى من جملتها ما حكى عنهم من القبائح فإنها لو لم تكن مزينة لهم لما أصروا عليها ولما جادلوا بها الحق وقيل الآية نزلت فى حمزة رضى الله عنه وأبى جهل وقيل فى عمر أو عمار رضى الله عنهما وأبى جهل (وَكَذلِكَ) قيل معناه كما جعلنا فى مكة أكابر مجرميها ليمكروا فيها (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) من سائر القرى (أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها) ومفعولا (جَعَلْنا أَكابِرَ مُجْرِمِيها) على تقديم المفعول الثانى والظرف لغو أو هما* الظرف وأكابر على أن مجرميها بدل أو مضاف إليه فإن أفعل التفضيل إذا أضيف جاز الإفراد والمطابقة ولذلك قرىء أكبر مجرميها وقيل (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) مفعوله الأول والثانى (لِيَمْكُرُوا فِيها) ولا يخفى أن أى معنى يراد من هذه المعانى لا بد أن يكون مشهور التحقق عند الناس معهودا فيما بينهم حتى يصلح أن تصرف الإشارة عن سباق النظم الكريم وتوجه إليه ويجعل مقياسا لنظائره بإخراجه مخرج المصدر التشبيهى وظاهر أن ليس الأمر كذلك ولا سبيل إلى توجيهها إلى ما يفهم من قوله تعالى (كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) وإن كان المراد بهم أكابر مكة لأن مآل المعنى حينئذ بعد اللتيا والتى كما جعلنا أعمال أهل مكة مزينة لهم (جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) الخ فإذن الأقرب أن ذلك إشارة إلى الكفرة المعهودين باعتبار اتصافهم بصفاتهم والإفراد بتأويل الفريق أو المذكور ومحل الكاف النصب على أنه المفعول الثانى لجعلنا قدم