(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠) قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١٦١)
____________________________________
لبيان أحوال أهل الكتابين إثر بيان حال المشركين أى بددوه وبعضوه فتمسك بكل بعض منه فرقة* منهم وقرىء فارقوا أى باينوا فإن ترك بعضه وإن كان بأخذ بعض آخر منه ترك للكل ومفارقة له (وَكانُوا شِيَعاً) أى فرقا تشيع كل فرقة إماما لها قال صلىاللهعليهوسلم افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية إلا واحدة وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية إلا واحدة وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة كلهم فى الهاوية إلا واحدة واستثناء الواحدة من فرق كل من أهل الكتابين إنما هو بالنظر إلى العصر الماضى قبل النسخ وأما بعده فالكل فى الهاوية وإن اختلفت أسباب دخولهم فمعنى قوله تعالى (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) لست من البحث عن تفرقهم والتعرض لمن يعاصرك منهم بالمناقشة والمؤاخذة وقيل من قتالهم فى شىء سوى تبليغ الرسالة وإظهار شعائر الدين الحق الذى أمرت بالدعوة إليه فيكون منسوخا بآية السيف وقوله تعالى (إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ) تعليل للنفى المذكور أى هو يتولى وحده أمر أولاهم وأخراهم ويدبره كيف يشاء حسبما تقتضيه الحكمة يؤاخذهم فى الدنيا متى شاء ويأمر بقتالهم إذا أراد وقيل المفرقون أهل البدع والأهواء الزائغة من هذه الأمة ويرده أنه صلىاللهعليهوسلم مأمور بمؤاخذتهم والاعتذار بأن معنى لست منهم فى شىء حينئذ أنت برىء منهم ومن مذهبهم وهم برآء منك يأباه التعليل المذكور (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ) أى يوم القيامة (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) عبر عن إظهاره بالتنبئة لما بينهما من الملابسة فى أنهما سببان للعلم تنبيها على أنهم كانوا جاهلين بحال ما ارتكبوه غافلين عن سوء عاقبته أى يظهر لهم على رءوس الأشهاد ويعلمهم أى شىء شنيع كانوا يفعلونه فى الدنيا على الاستمرار ويرتب عليه ما يليق به من الجزاء وقوله تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) استئناف مبين لمقادير أجزية العاملين وقد صدر ببيان أجزية المحسنين المدلول عليهم بذكر أضدادهم قال عطاء عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم يريد من عمل من المصدقين حسنة كتبت له عشر حسنات أى من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين إذ لا حسنة بغير إيمان فله عشر حسنات أمثالها تفضلا من الله عزوجل وقرىء عشر بالتنوين وأمثالها بالرفع على الوصف وهذا أقل ما وعد من الأضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وبسبعمائة وبغير حساب ولذلك* قيل المراد بذكر العشر بيان الكثرة لا الحصر فى العدد الخاص (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) أى بالأعمال السيئة* كائنا من كان من العاملين (فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) بحكم الوعد واحدة بواحدة (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص الثواب وزيادة العقاب (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي) أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأن يبين لهم ما هو عليه من الدين الحق الذى يدعون أنهم عليه وقد فارقوه بالكلية وتصدير الجملة بحرف التحقيق لإظهار كمال الاعتناء بمضمونها والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلىاللهعليهوسلم لمزيد تشريفه أى قل لأولئك المفرقين أرشدنى ربى* بالوحى وبما نصب فى الآفاق رالأنفس من الآيات التكوينية (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) موصل إلى الحق