(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩)
____________________________________
المتفاوتة كما وكيفا وإنما لم يقتصر على بيان ما يوجب أصل النفع وهو الإيمان السابق مع أنه هو المقابل لما لا يوجبه أصلا أعنى الإيمان الحادث بل قرن به ما يوجب النفع الزائد أيضا إرشادا إلى تحرى الأعلى وتنبيها على كفاية الأدنى وإقناطا للكفرة عما علقوا به أطماعهم الفارغة من أعمال البر التى عملوها فى الكفر من صلة الأرحام وإعتاق الرقاب وفك العناة وإغاثة الملهوفين وقرى الأضياف وغير ذلك مما هو من باب المكارم ببيان أن كل ذلك لغو بحت لا بتنائه على غير أساس حسبما نطق به قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ) الآية ونحو ذلك من النصوص الكريمة وأن الإيمان الحادث كما لا ينفعهم وحده لا ينفعهم بانضمام أعمالهم السابقة واللاحقة ولك أن تقول المقصود بوصف النفس بما ذكر من العدمين التعريض بحال الكفرة فى تمردهم وتفريطهم فى كل واحد من الأمرين الواجبين عليهم وإن كان وجوب أحدهما منوطا بالآخر كما فى قوله عزوجل (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) تسجيلا بكمال طغيانهم وإيذانا بتضاعف عقابهم لما تقرر من أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع فى حق المؤاخذة كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) إذا تحققت هذا وفقت على أن الآية الكريمة أحق بأن تكون حجة على المعتزلة من أن تكون حجة لهم هذا وقد قيل إنها من باب اللف التقديرى أى لا ينفع نفسا إيمانها ولا كسبها فى الإيمان لم تكن آمنت من قبل أو كسبت فيه وليس بواضح فإن مبنى اللف التقديرى أن يكون المقدر من متممات الكلام ومقتضيات المقام قد ترك ذكره تعويلا على دلالة الملفوظ عليه واقتضائه إياه كما مر فى تفسير قوله عزوجل (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) فإنه قد طوى فى المفصل ذكر حشر المؤمنين ثقة بأنباء التفصيل عنه أعنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ولا ريب فى أن ما قدر ههنا ليس مما يستدعيه قوله تعالى (أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) ولا هو من مقتضيات المقام لأنه ليس مما وعدوه وعلقوه بإتيان ما ذكر من الآيات كالإيمان حتى يرد عليهم ببيان عدم نفعه إذ ذاك على أن ذلك مشعر بأن لهم بعد ما أصابهم من الدواهى ما أصابهم بقاء على السلامة وزمانا يتأتى منهم الكسب والعمل فيه وفيه من الاخلال بمقام تهويل الخطب وتفظيع الحال ما لا يخفى وقد أجيب عن الاستدلال بوجوه أخر قصارى أمرها إسقاط الآية الكريمة عن رتبة المعارضة للنصوص القطعية المنون القوية الدلالة على ما ذكر من كفاية الإيمان المجرد عن العمل فى الانجاء من العذاب الخالد ولو بعد اللتيا والى لما تقرر من أن الظنى بمعزل من معارضة القطعى (قُلِ) لهم بعد بيان حقيقة الحال على وجه التهديد* (انْتَظِرُوا) ما تنتظرونه من إتيان أحد الأمور الثلاثة لتروا أى شىء تنتظرون (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) لذلك* لنشاهد ما يحل بكم من سوء العاقبة وفيه تأييد لكون المراد بما ينتظرونه إتيان ملائكة العذاب أو إتيان امره تعالى بالعذاب كما أشير إليه وعدة ضمنية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين بمعاينتهم لما يحيق بالكفرة من العقاب ولعل ذلك هو الذى شاهدوه يوم بدر والله سبحانه أعلم (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ) استئناف