(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) (٣)
____________________________________
* أصلا فكيف بمن يمكن ذلك منه والتنوين للتحقير والجار فى قوله تعالى (مِنْهُ) متعلق ب (حَرَجٌ) يقال حرج منه أى ضاق به صدره أو بمحذوف وقع صفة له أى حرج كائن منه أى لا يكن فيك شك ما فى حقيته أو فى كونه كتابا منزلا إليك من عنده تعالى فالفاء على الأول لترتيب النهى أو الانتهاء على مضمون الجملة فإنه مما يوجب انتفاء الشك فيما ذكر بالكلية وحصول اليقين به قطعا وأما على الثانى فهى لترتيب ما ذكر على الإخبار بذلك لا على نفسه فتدبر وتوجيه النهى إلى الحرج مع أن المراد نهيه عليه الصلاة والسلام عنه إما لما مر من المبالغة فى تنزيهه عليه الصلاة والسلام عن الشك فيما ذكر فإن النهى عن الشىء مما يوهم إمكان صدور المنهى عنه عن المنهى وإما للمبالغة فى النهى فإن وقوع الشك فى صدره عليه الصلاة والسلام سبب لاتصافه عليه الصلاة والسلام به والنهى عن السبب نهى عن المسبب بالطريق البرهانى ونفى له من أصله بالمرة كما فى قوله تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ) الآية وليس هذا من قبيل لا أرينك ههنا فإن النهى هناك وارد على المسبب مرادا به النهى عن السبب فيكون المآل نهيه عليه الصلاة والسلام عن تعاطى ما يورث الحرج فتأمل وقيل الحرج على حقيقته أى لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة أن يكذبوك وأن تقصر فى القيام بحقه فإنه عليه الصلاة والسلام كان يخاف تكذيب قومه له وإعراضهم عنه فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فآمنه الله تعالى ونهاه عن المبالاة بهم فالفاء حينئذ للترتيب على مضمون الجملة أو على الإخبار به فإن كلا منهما موجب للإقدام على التبليغ وزوال الخوف قطعا وإن* كان إيجابه الثانى بواسطة الأول وقوله تعالى (لِتُنْذِرَ بِهِ) أى بالكتاب المنزل متعلق بأنزل وما بينهما اعتراض توسط بينهما تقريرا لما قبله وتمهيدا لما بعده وحسبما لتوهم أن مورد الشك هو الإنزال للإنذار وقيل متعلق بالنهى فإن انتفاء الشك فى كونه منزلا من عنده تعالى موجب للإنذار به قطعا وكذا انتفاء الخوف منهم أو العلم بأنه موفق للقيام بحقه موجب للتجاسر على ذلك وأنت خبير بأنه لا يتأتى التفسير الأول لأن تعليل النهى عن الشك بما ذكر من الإنذار والتذكير مع إيهامه لإمكان صدوره عنه عليه الصلاه والسلام مشعر بأن المنهى عنه ليس محذورا لذاته بل لإفضائه إلى فوات الإنذار والتذكير لا أقل من الإيذان بأن ذلك معظم غائلته ولا ريب فى فساده وأما على التفسير الثانى فإنما يتأتى التعليل بالإنذار* لا بتذكير المؤمنين إذ ليس فيه شائبة خوف حتى يجعل غاية لانتفائه وقوله تعالى (وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) فى حيز النصب بإضمار فعله معطوفا على تنذر أى وتذكر المؤمنين تذكيرا أو الجر عطفا على محل أن تنذر أى للإنذار والتذكير وقيل مرفوع عطفا على (كِتابٌ) أو خبر لمبتدأ محذوف وتخصيص التذكير بالمؤمنين للإيذان باختصاص الإنذار بالكفرة أى لتنذر به المشركين وتذكر المؤمنين وتقديم الإنذار لأنه أهم بحسب المقام (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) كلام مستأنف خوطب به كافة المكلفين بطريق التلوين وأمروا باتباع ما أمر النبى صلىاللهعليهوسلم قبله بتبليغه بطريق الإنذار والتذكير وجعله منزلا إليهم بواسطة إنزاله إليه عليه الصلاة والسلام أثر ذكر ما يصححه من الإنذار والتذكير لتأكيد وجوب اتباعه وقوله تعالى