(وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤)
____________________________________
(مِنْ رَبِّكُمْ) متعلق بأنزل على أن من لابتداء الغاية مجازا أو بمحذوف وقع حالا من الموصول أو من* ضميره فى الصلة وفى التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين مزيد لطف بهم وترغيب لهم فى الامتثال بما أمروا به وتأكيد لوجوبه وجعل ما أنزل ههنا عاما للسنة القولية والفعلية بعيد نعم يعمهما حكمه بطريق الدلالة لا بطريق العبارة ولما كان اتباع ما أنزله الله تعالى اتباعا له تعالى عقب الأمر بذلك بالنهى عن اتباع غيره تعالى فقيل (وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ) أى من دون ربكم الذى أنزل إليكم ما يهديكم* إلى الحق ومحله النصب على أنه حال من فافعل فعل النهى أى لا تتبعوا متجاوزين الله تعالى (أَوْلِياءَ) من الجن والإنس بأن تقبلوا منهم ما يلقونه إليكم بطريق الوسوسة والإغواء من الأباطيل ليضلوكم عن الحق ويحملوكم على البدع والأهواء الزائغة أو من أولياء قدم عليه لكونه نكرة إذ لو أخر عنه لكان صفة له أى أولياء كائنة غيره تعالى وقيل الضمير للموصول على حذف المضاف فى أولياء أى ولا تتبعوا من دون ما أنزل أباطيل أولياء كأنه قيل ولا تتبعوا من دون دين ربكم دين أولياء وقرىء ولا تبتغوا كما فى قوله تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) وقوله تعالى (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) بحذف إحدى التاءين وتخفيف* الذال وقرىء بتشديدها على إدغام التاء المهموسة فى الذال المجهورة وقرىء يتذكرون على صيغة الغيبة وقليلا نصب إما بما بعده على أنه نعت لمصدر محذوف مقدم للقصر أو لزمان كذلك محذوف وما مزيدة لتأكيد القلة أى تذكرا قليلا أو زمانا قليلا تذكرون لا كثيرا حيث لا تتأثرون بذلك ولا تعملون بموجبه وتتركون دين الله تعالى وتتبعون غيره ويجوز أن يراد بالقلة العدم كما قيل فى قوله تعالى (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) والجملة اعتراض تذييلى مسوق لتقبيح حال المخاطبين والالتفات على القراءة الأخيرة للإيذان باقتضاء سوء حالهم فى عدم الامتثال بالأمر والنهى صرف الخطاب عنهم وحكاية جناياتهم لغيرهم بطريق المباثة وإما نصب على أنه حال من فاعل لا تتبعوا وما مصدرية مرتفعة به أى لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا تذكركم لكن لا على توجيه النهى إلى المقيد فقط كما فى قوله تعالى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) بل إلى المقيد والقيد جميعا وتخصيصه بالذكر لمزيد تقبيح حالهم بجمعهم بين المنكرين (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) شروع فى إنذارهم بما جرى على الأمم الماضية بسبب إعراضهم عن اتباع دين الله تعالى وإصرارهم على اتباع دين أوليائهم و (كَمْ) خبربة للتكثير فى موضع رفع على الابتداء كما فى قولك زيد ضربته والخبر هو الجملة بعدها و (مِنْ قَرْيَةٍ) تمييز والضمير فى (أَهْلَكْناها) راجع إلى معنى كم أى كثير من القرى أهلكناها أو فى موضع نصب بأهلكناها كما فى قوله تعالى (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) والمراد بإهلاكها إرادة إهلاكها كما فى قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ) أى أردنا إهلاكها (فَجاءَها) أى فجاء أهلها (بَأْسُنا) أى عذابنا (بَياتاً) * مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال أى بائتين كقوم لوط (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) عطف عليه أى أو قائلين من* القيلولة نصف النهار كقوم شعيب وإنما حذفت الواو من الحال المعطوفة على أختها استثقالا لاجتماع العاطفين فإن واو الحال حرف عطف قد أستعيرت للوصل لا اكتفاء بالضمير كما فى جاءنى زيد هو فارس