(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٦٩)
____________________________________
حال نظائره فى سائر القصص لا سيما فى المحاورات الجارية فى الأوقات المتعددة والله أعلم (قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) استئناف كما مر وإنما وصف الملأ بالكفر إذ لم يكن كلهم على الكفر كملأ قوم نوح بل كان منهم من آمن به عليهالسلام ولكن كان يكتم إيمانه كمرثد بن سعد وقيل وصفوا به لمجرد الذم* (إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ) أى متمكنا فى خفة عقل راسخا فيها حيث فارقت دين آبائك ألا إنهم هم السفاء* ولكن لا يعلمون (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) أى فيما ادعيت من الرسالة قالوه لعراقتهم فى التقليد وحرمانهم من النظر الصحيح (قالَ) مستعطفا لهم ومستميلا لقلوبهم مع ما سمع منهم ما سمع من الكلمة الشنعاء* الموجبة لتغليظ القول والمشافهة بالسوء (يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ) أى شىء منها ولا شائبة من شوائبها* (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) استدراك مما قبله باعتبار ما يستلزمه ويقتضيه من كونه فى الغاية القصوى من الرشد والأناة والصدق والأمانة فإن الرسالة من جهة رب العالمين موجبة لذلك حتما كأنه قيل ليس بى شىء مما نسبتمونى إليه ولكنى فى غاية ما يكون من الرشد والصدق ولم يصرح بنفى الكذب اكتفاء بما فى حيز الاستدراك ومن لابتداء الغاية مجازا متعلقة بمحذوف وقع صفة لرسول مؤكدة لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافة وقوله تعالى (أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي) استئناف سيق لتقرير رسالته وتفصيل أحوالها وقيل صفة أخرى لرسول والكلام فى إضافة الرب إلى نفسه عليهالسلام بعد إضافته* إلى العالمين وكذا فى جمع الرسالات كالذى مر فى قصة نوح عليهالسلام وقرىء أبلغكم من الإبلاغ (وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ) معروف بالنصح والأمانة مشهور بين الناس بذلك وإنما جىء بالجملة الاسمية دلالة على الثبات والاستمرار وإيذانا بأن من هذا حاله لا يحوم حوله شائبة السفاهة والكذب (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) الكلام فيه كالذى مر فى قصة نوح عليهالسلام (عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ) أى من جنسكم (لِيُنْذِرَكُمْ) ويحذركم عاقبة ما أنتم عليه من الكفر والمعاصى حتى نسبتمونى إلى السفاهة والكذب وفى إجابة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من يشافههم بما لا خير فيه من أمثال تلك الأباطيل بما حكى عنهم من المقالات الحقة المعربة عن نهاية الحلم والرزانة وكمال الشفقة والرأفة من الدلالة على حيازتهم القدح المعلى* من مكارم الأخلاق ما لا يخفى مكانه (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ) شروع فى بيان ترتيب أحكام النصح