(وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٨٦)
____________________________________
على سؤال نشأ عن حكاية إرساله إليهم كأنه قيل فماذا قال لهم فقيل قال (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) مر تفسيره مرارا (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ) أى معجزة وقوله تعالى (مِنْ رَبِّكُمْ) متعلق ب (جاءَتْكُمْ) أو بمحذوف* هو صلة لفاعله مؤكدة لفخامته الذاتية المستفادة من تنكيره بفخامته الإضافية أى بينة عظيمة ظاهرة كائنة من ربكم ومالك أموركم ولم يذكر معجزته عليهالسلام فى القرآن العظيم كما لم يذكر أكثر معجزات النبى صلىاللهعليهوسلم فمنها ما روى من محاربة عصا موسى عليهالسلام التنين حين دفع إليه غنمه ومنها ولادة الغنم الدرع خاصة حين وعد أن يكون له الدرع من أولادها ومنها وقوع عصا آدم عليهالسلام على يده فى المرات السبع لأن كل ذلك كان قبل أن يستنبأ موسى عليهالسلام وقيل البينة مجيئه عليهالسلام كما فى قوله تعالى (يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أى حجة واضحة وبرهان نير عبر بهما عما آتاه الله من النبوة والحكمة (فَأَوْفُوا الْكَيْلَ) أى المكيال كما وقع فى سورة هود ويؤيده قوله تعالى (وَالْمِيزانَ) فإن المتبادر* منه الآلة وإن جاز كونه مصدرا كالميعاد وقيل آلة الكيل والوزن على الإضمار والفاء لترتيب الأمر على مجىء البينة ويجوز أن تكون عاطفة على اعبدوا فإن عبادة الله تعالى موجبة للاجتناب عن المناهى التى معظهما بعد الكفر البخس الذى كانوا يباشرونه (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) التى تشترونها بهما* معتمدين على تمامهما أى شىء كان وأى مقدار كان فإنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير والقليل والكثير وقيل كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه قال زهير [أفى كل أسواق العراق أتاوة* وفى كل ما باع امرؤ مكس درهم](وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) أى بالكفر والحيف (بَعْدَ إِصْلاحِها) * بعد ما أصلح أمرها وأهلها الأنبياء وأتباعهم بإجراء الشرائع أو أصلحوا فيها وإضافته إليها كإضافة مكر الليل والنهار (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) إشارة إلى العمل بما أمرهم به ونهاهم عنه ومعنى الخيرية إما الزيادة مطلقا* أو فى الإنسانية وحسن الأحدوثة وما يطلبونه من التكسب والريح لأن الناس إذا عرفوهم بالأمانة رغبوا فى معاملتهم ومتاجرتهم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أى مصدقين لى فى قولى هذا (وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ) أى بكل طريق من طرق الدين كالشيطان وصراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام وكانوا إذا رأوا أحدا يشرع فى شىء منها منعوه وقيل كانوا يجلسون على المراصد فيقولون لمن يريد شعيبا إنه كذاب لا يفتننك عن دينك ويتوعدون لمن آمن به وقيل يقطعون الطريق (وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أى السبيل الذى قعدوا عليه فوقع المظهر موقع المضمر بيانا لكل صراط ودلالة على عظم ما يصدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه أو الإيمان بالله أو بكل صراط على أنه عبارة عن طرق الدين وقوله تعالى (مَنْ آمَنَ بِهِ) مفعول تصدون على أعمال الأقرب ولو كان مفعول* توعدون لقيل وتصدونهم وتوعدون حال من الضمير فى تقعدوا (وَتَبْغُونَها عِوَجاً) أى وتطلبون* لسبيل الله عوجا بإلقاء الشبه أو بوصفها للناس بأنها معوجة وهى أبعد شىء من شائبة الاعوجاج