(قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) (٨٩)
____________________________________
الذى أريد بيان تحققه على كل حال وذلك فى مثال النفى عدم الإعطاء المستفاد من الفعل المنفى المذكور وأما فيما نحن فيه فهو نفس العود المستفاد من الفعل المقدر إذ هو الذى يقتضيه الكلام السابق أعنى قولهم لتعودن وأما الاستفهام فخارج عنه وارد عليه لإبطال ما يفيده ونفى ما يقتضيه لا أنه من تمامه كما فى صورة النفى وتوضيحه أن بين النفيين فرقا معنويا تختلف به أحكامهما التى من جملتها ما ذكر من اعتبار الأولوية فى أحدهما بالنسبة إلى نفسه وفى الآخر بالنسبة إلى متعلقه ولذلك لا تستقيم إقامة أحدهما مقام الآخر على وجه الكلية ألا يرى أنك لو قلت مكان أنعود فيها الخ لا نعود فيها ولو كنا كارهين لا ختل المعنى اختلالا فاحشا لأن مدلول الأول نفى العود المقيد بحال الكراهة ومدلول الثانى تقييد العود المنفى بها وذلك لأن حرف النفى يباشر نفس الفعل وينفيه وما يذكر بعده يرجع إليه من حيث هو منفى وأما همزة الاستفهام فإنها تباشر الفعل بعد تقييده بما بعده لما أن دلالتها على الإنكار والنفى ليست بدلالة وضعية كدلالة حرف النفى حتى يتعلق معناها بنفس الفعل الذى يليها ويكون ما بعده راجعا إليه من حيث هو منفى بل هى دلالة عقلية مستفادة من سياق الكلام فلا بد أن يكون ما يذكر بعد الفعل من موانعه ودواعى إنكاره ونفيه حتما ليكون قرينة صارفة للهمزة عن حقيقتها إلى معنى الإنكار والنفى ثم لما كان المقصود نفى الحكم على كل حال مع الاقتصار على ذكر بعض منها مغن عن ذكر ما عداها لاستلزام تحققه معه تحققه مع غيره بطريق الأولوية وكانت حال الكراهة عند كونها قيدا لنفس العود كذلك أى مغنيا عن ذكر سائر الأحوال ضرورة أن تحقق العود فى حال الكراهة مستلزم لتحققه فى حال عدمها البتة وعند كونها قيدا لنفيه بخلاف ذلك أى غير مغن عن ذكر غيرها ضرورة أن نفى العود فى حال الكراهة لا يستلزم نفيه فى غيرها بل الأمر بالعكس فإن نفيه فى حال الإرادة مستلزم لنفيه فى حال الكراهة قطعا استقام الأول لإفادته نفى العود فى الحالتين مع الاقتصار على ذكر ما هو مغن عن ذكر الأخرى ولم يستقم الثانى لعدم إفادته إياه على الوجه المذكور إن قيل فما وجه استقامتهما جميعا عند ذكر المعطوفين معا حيث يصح أن يقال لا نعود فيها لو لم نكن كارهين كما يصح أن يقال أنعود فيها لو لم نكن كارهين مع أن المقدر فى حكم الملفوظ قلنا وجهها أن كلا منهما يفيد معنى صحيحا فى نفسه لا أن معنى أحدهما عين معنى الآخر أو متلازمان متفقان فى جميع الأحكام كيف لا ومدلول الأول أن العود منتف فى الحالتين ومدلول الثانى مصحح لنفى العود فى الحالتين منتف وكلا المعنيين صحيح فى نفسه مصحح لنفى العود فى الحالتين مع ذكرهما معا غير أن الثانى مصحح لنفى العود فى الحالتين مع الاقتصار على ذكر حالة الكراهة على عكس المعنى الأول فإنه مصحح لنفيه فيهما مع الاقتصار على ذكر حالة الإرادة (قَدِ افْتَرَيْنا