(وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (١٤٣)
____________________________________
فقالت الملائكة كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك وقيل أوحى الله تعالى إليه أما علمت أن ريح فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك فأمره الله تعالى بأن يزيد عليها عشرة أيام من ذى الحجة لذلك وذلك قوله تعالى (وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ) والتعبير عنها بالليالى لأنها غرر الشهور وقيل أمره الله تعالى* بأن يصوم ثلاثين يوما وأن يعمل فيها بما يقربه من الله تعالى ثم أنزلت عليه التوراة فى العشر وكلم فيها وقد أجمل ذكر الأربعين فى سورة البقرة وفصل ههنا وواعدنا بمعنى وعدنا وقد قرىء كذلك وقيل الصيغة على بابها بناء على تنزيل قبول موسى عليهالسلام منزلة الوعد وثلاثين مفعول ثان لواعدنا بحذف المضاف أى إتمام ثلاثين ليلة (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) أى بالغا أربعين ليلة (وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ) حين توجه إلى المناجاة حسبما أمر به (اخْلُفْنِي) أى كن خليفتى (فِي قَوْمِي) وراقبهم فيما يأتون* وما يذرون (وَأَصْلِحْ) ما يحتاج إلى الإصلاح من أمورهم أو كن مصلحا (وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) أى* لا تتبع من سلك الإفساد ولا تطع من دعاك إليه (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) لوقتنا الذى وقتناه واللام للاختصاص أى اختص مجيئه بميقاتنا (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) من غير واسطة كما يكلم الملائكة عليهمالسلام وفيما* روى أنه عليه الصلاة والسلام كان يسمع ذلك من كل جهة تنبيه على أن سماع كلامه عزوجل ليس من جنس سماع كلام المحدثين (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) أى أرنى ذاتك بأن تمكننى من رؤيتك أو تتجلى* لى فأنظر إليك وأراك وهو دليل على أن رؤيته تعالى جائزة فى الجملة لما أن طلب المستحيل مستحيل من الأنبياء لا سيما ما يقتضى الجهل بشئون الله تعالى ولذلك رده بقوله تعالى (لَنْ تَرانِي) دون لن أرى ولن أريك ولن تنظر إلى تنبيها على أنه قاصر عن رؤيته لتوقفها على معد فى الرائى ولم يوجد فيه ذلك بعد وجعل السؤال لتبكيت قومه الذين قالوا أرنا الله جهرة خطأ إذ لو كانت الرؤية ممتنعة لوجب أن يجهلهم ويزيح شبهتهم كما فعل ذلك حين قالوا اجعل لنا إلها وأن لا يتبع سبيلهم كما قال لأخيه ولا تتبع سبيل المفسدين والاستدلال بالجواب على استحالتها أشد خطأ إذ لا يدل الإخبار بعدم رؤيته إياه على أنه لا يراه أبدا وأن لا يراه غيره أصلا فضلا عن أن يدل على استحالتها ودعوى الضرورة مكابرة أو جهل لحقيقة الرؤية (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من الكلام كأنه قيل فماذا قال رب العزة حين قال موسى عليه* السلام ما قال فقيل قال (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي) استدراك* لبيان أنه لا يطيق بها وفى تعليقها باستقرار الجبل أيضا دليل على الجواز ضرورة أن المعلق بالممكن ممكن والجبل قيل هو جبل أردن (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) أى ظهرت له عظمته وتصدى له اقتداره وأمره وقيل* أعطى الجبل حياة ورؤية حتى رآه (جَعَلَهُ دَكًّا) مدكوكا مفتتا والدك والدق أخوان كالشك والشق*