(سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ) (١٤٦)
____________________________________
أحسن من المباح وقيل المعنى يأخذوا بها وأحسن صلة قال قطرب أى بحسنها وكلها حسن كقوله تعالى (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) وقيل هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحق وأقربها إلى الصواب (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى قومه عليه الصلاة والسلام بطريق* الالتفات حملا لهم على الجد فى الامتثال بما أمروا به إما على نهج الوعيد والترهيب على أن المراد بدار الفاسقين أرض مصر وديار عاد وثمود وأضرابهم فإن رؤيتها وهى الخالية عن أهلها خاوية على عروشها موجبة للاعتبار والانزجار عن مثل أعمال أهلها كيلا يحل بهم ما حل بأولئك وإما على نهج الوعد والترغيب على أن المراد بدار الفاسقين إما أرض مصر خاصة أو مع أرض الجبابرة والعمالقة بالشام فإنها أيضا مما أتيح لبنى إسرائيل وكتب لهم حسبما ينطق به قوله عزوجل (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ومعنى الإراءة الإدخال بطريق الإيراث ويؤيده قراءة من قرأ سأورثكم بالثاء المثلثة كما فى قوله تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا) وقرىء سأوريكم ولعله من أوريت الزند أى سأبينها لكم وقوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) استئناف مسوق لتحذيرهم عن التكبر الموجب لعدم التفكر فى الآيات التى هى ما كتب فى ألواح التوراة من المواعظ والأحكام أو ما يعمها وغيرها من الآيات التكوينية التى من جملتها ما وعد إراءته من دار الفاسقين ومعنى صرفهم عنها الطبع على قلوبهم بحيث لا يكادون يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها لإصرارهم على ما هم عليه من التكبر والتجبر كقوله تعالى (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وتقديم الجار والمجرور على المفعول الصريح لإظهار الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر مع أن فى المؤخر نوع طول يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الجليل أى سأطبع على قلوب الذين يعدون أنفسهم كبراء ويرون لهم على الخلق مزية وفضلا فلا ينتفعون بآياتى التنزيلية والتكوينية ولا يغتنمون مغانم آثارها فلا تسلكوا مسلكهم لتكونوا أمثالهم وقيل المعنى سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون فى إبطال مارآه من الآيات فأبى الله تعالى إلا إحقاق الحق وإزهاق الباطل وعلى هذا فالأنسب أن يراد بدار الفاسقين أرض الجبابرة والعمالقة المشهورين بالفسق والتكبر فى الأرض وبإراءتها للمخاطبين إدخالهم الشام وإسكانهم فى مساكنهم ومنازلهم حسبما نطق به قوله تعالى (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) ويكون قوله تعالى (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ) الخ جوابا عن سؤال مقدر ناشىء من الوعد بإدخال الشام على أن المراد بالآيات ما تلى آنفا ونظائره وبصرفهم عنها إزالتهم عن مقام معارضتها وممانعتها لوقوع أخبارها وظهور أحكامها وآثارها بإهلاكهم على يد موسى عليه الصلاة والسلام حين سار بعد التيه بمن بقى من بنى إسرائيل