(وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٦٤)
____________________________________
لا يسبتون من أسبت ولا يسبتون على البناء للمفعول بمعنى لا يدخلون فى السبت ولا يدار عليهم حكم السبت ولا يؤمرون فيه بما أمروا به يوم السبت (لا تَأْتِيهِمْ) كما كانت تأتيهم يوم السبت حذارا من صيدهم* وتغيير السبك حيث لم يقل ولا تأتيهم يوم لا يسبتون لما أن الإخبار بإتيانها يوم سبتهم مظنة أن يقال فماذا حالها يوم لا يسبتون فقيل يوم لا يسبتون لا تأتيهم (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ) أى مثل ذلك البلاء العجيب الفظيع* نعاملهم معاملة من يختبرهم ليظهر عدواتهم ونؤاخذهم به وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية لاستحضار صورتها والتعجيب منها (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أى بسبب فسقهم المستمر المدلول عليه بالجمع بين صيغتى* الماضى والمستقبل لكن لا فى تلك المادة فإن فسقهم فيها لا يكون سببا للبلوى بل بسبب فسقهم المستمر فى كل ما يأتون وما يذرون وقيل كذلك متصل بما قبله أى لا تأتيهم مثل ما تأتيهم يوم سبتهم فالجملة بعده حينئذ استئناف مبنى على السؤال عن حكمة اختلاف حال الحيتان بالإتيان تارة وعدمه أخرى (وَإِذْ قالَتْ) عطف على إذ يعدون مسوق لتماديهم فى العدوان وعدم انزجارهم عنه بعد العظات والإنذارات (أُمَّةٌ مِنْهُمْ) أى جماعة من صلحائهم الذين ركبوا فى عظتهم متن كل صعب وذلول حتى يئسوا من احتمال القبول لآخرين لا يقلعون عن التذكير رجاء للنفع والتأثير مبالغة فى الأعذار وطمعا فى فائدة الإنذار (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) أى مخترمهم بالكلية ومطهر الأرض منهم (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) دون الاستئصال* بالمرة وقيل مهلكهم مخزيهم فى الدنيا أو معذبهم فى الآخرة لعدم إقلاعهم عما كانوا عليه من الفسق والطغيان والترديد لمنع الخلو دون منع الجمع فإنهم مهلكون فى الدنيا ومعذبون فى الآخرة وإيثار صيغة اسم الفاعل مع أن كلا من الإهلاك والتعذيب مترقب للدلالة على تحققهما وتقررهما البتة كأنهما واقعان وإنما قالوه مبالغة فى أن الوعظ لا ينجع فيهم أو ترهيبا للقوم أو سؤالا عن حكمة الوعظ ونفعه ولعلهم إنما قالوه بمحضر من القوم حثا لهم على الاتعاظ فإن بت القول بهلاكهم وعذابهم مما يلقى فى قلوبهم الخوف والخشية وقيل المراد طائفة من الفرقة الهالكة أجابوا به وعاظهم ردا عليهم وتهكما بهم وليس بذاك كما ستقف عليه (قالُوا) أى الوعاظ (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) أى نعظهم معذرة إليه تعالى على أنه* مفعول له وهو الأنسب بظاهر قولهم لم تعظون أو نعتذر معذرة على أنه مصدر لفعل محذوف وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى موعظتنا معذرة إليه تعالى حتى لا ننسب إلى نوع تفريط فى النهى عن المنكر وفى إضافة الرب إلى ضمير المخاطبين نوع تعريض بالسائلين (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) عطف على* (مَعْذِرَةً) أى ورجاء لأن يتقوا بعض التقاة وهذا صريح فى أن القائلين لم تعظون الخ ليسوا من الفرقة الهالكة وإلا لوجب الخطاب.