(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (١٦٦)
____________________________________
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) أى تركوا ما ذكرهم به صلحاؤهم ترك الناسى للشىء وأعرضوا عنه إعراضا* كليا بحيث لم يخطر ببالهم شىء من تلك المواعظ أصلا (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وهم الفريقان المذكوران وإخراج إنجائهم مخرج الجواب الذى حقه الترتب على الشرط وهو نسيان المعتدين المستتبع لإهلاكهم لما أن ما فى حيز الشرط شيآن النسيان والتذكير كأنه قيل فلما ذكر المذكرون ولم يتذكر المعتدون أنجينا الأولين وأخذنا الآخرين وأما تصدير الجواب بإنجائهم فلما مر مرارا من* المسارعة إلى بيان نجاتهم من أول الأمر مع ما فى المؤخر من نوع طول (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) * بالاعتداء ومخالفة الأمر (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أى شديد وزنا ومعنى من بؤس يبؤس بأسا إذا اشتد وقرىء بيئس على وزن فيعل بفتح العين وكسرها وبئس كحذر وبئس على تخفيف العين ونقل حركتها إلى الفاء ككبد فى كبد وبيس بقلب الهمزة ياء كذيب فى ذئب وبيس كريس بقلب همزة بئيس ياء وإدغام الياء* فيها وبيس على تخفيف بيس كهين فى هين وتنكير العذاب للتفخيم والتهويل (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) متعلق بأخذنا كالباء الأولى ولا ضير فيه لاختلافهما معنى أى أخذناهم بما ذكر من العذاب بسبب تماديهم فى الفسق الذى هو الخروج عن الطاعة وهو الظلم والعدوان أيضا وإجراء الحكم على الموصول وإن أشعر بعلية ما فى حيز الصلة له لكنه صرح بالتعليل المذكور إيذانا بأن العلة هو الاستمرار على الظلم والعدوان مع اعتبار كون ذلك خروجا عن طاعة الله عزوجل لا نفس الظلم والعدوان وإلا لما أخروا عن ابتداء المباشرة ساعة ولعله تعالى قد عذبهم بعذاب شديد دون الاستئصال فلم يقلعوا عما كانوا عليه بل ازدادوا فى الغى فمسخهم بعد ذلك لقوله تعالى (فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) أى تمردوا وتكبروا وأبوا أن يتركوا* ما نهوا عنه (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) صاغرين أذلاء بعداء عن الناس والمراد بالأمر هو الأمر التكوينى لا القولى وترتيب المسخ على العتو عن الانتهاء عما نهوا عنه للإيذان بأنه ليس لخصوصيات الحوت بل العمدة فى ذلك هو مخالفة الأمر والاستعصاء عليه تعالى وقيل المراد بالعذاب البئيس هو المسخ والجملة الثانية تقرير للأولى. روى أن اليهود أمروا باليوم الذى أمرنا به وهو يوم الجمعة فتركوه واختاروا السبت وهو المعنى بقوله تعالى (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) فابتلوا به وحرم عليهم الصيد فيه وأمروا بتعظيمه فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت كأنها المخاض لا يرى وجه الماء لكثرتها ولا تأتيهم فى سائر الأيام فكانوا على ذلك برهة من الدهر ثم جاءهم إبليس فقال لهم إنما نهيتم عن أخذها يوم السبت فاتخذوا حياضا سهلة الورود صعبة الصدور ففعلوا فجعلوا يسوقون الحيتان إليها يوم السبت فلا تقدر على الخروج منها ويأخذونها يوم الأحد وأخذ رجل منهم حوتا وربط فى ذنبه خيطا إلى