(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ(١٩٤) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) (١٩٥)
____________________________________
ببيان مساواته للسكوت الدائم المستمر وما قيل من أن الخطاب للمسلمين والمعنى وإن تدعوا المشركين إلى الهدى أى الإسلام لا يتبعوكم الخ مما لا يساعده سياق النظم الكريم وسياقه أصلا على أنه لو كان كذلك لقيل عليهم مكان عليكم كما فى قوله تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) فإن استواء الدعاء وعدمه إنما هو بالنسبة إلى المشركين لا بالنسبة إلى الداعين فإنهم فائزون بفضل الدعوة (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) تقرير لما قبله من عدم اتباعهم لهم أى إن الذين تعبدونهم من دونه تعالى من* الأصنام وتسمونهم آلهة (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) أى مماثلة لكم لكن لا من كل وجه بل من حيث إنها مملوكة لله عزوجل مسخرة لأمره عاجزة عن النفع والضرر وتشبيهها بهم فى ذلك مع كون عجزها عنهما أظهر وأقوى من عجزهم إنما هو لاعترافهم بعجز أنفسهم وادعائهم لقدرتها عليهما إذ هو الذى يدعوهم إلى* عبادتها والاستعانة بها وقوله تعالى (فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) تحقيق لمضمون ما قبله بتعجيزهم وتبكيتهم* أى فادعوهم فى جلب نفع أو كشف ضر (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى زعمكم أنهم قادرون على ما أنتم عاجزون عنه وقوله تعالى (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها) الخ تبكيت إثر تبكيت مؤكد لما يفيده الأمر التعجيزى من عدم الاستجابة ببيان فقدان آلاتها بالكلية فإن الاستجابة من الهياكل الجسمانية إنما تتصور إذا كان لها حياة وقوى محركة ومدركة وما ليس له شىء من ذلك فهو بمعزل من الأفاعيل بالمرة كأنه قيل ألهم هذه الآلات التى بها تتحقق الاستجابة حتى يمكن استجابتهم لكم وقد وجه الإنكار إلى كل واحدة من هذه الآلات الأربع على حدة تكريرا للتبكيت وتثنية للتقريع وإشعارا بأن انتفاء كل واحدة منها بحيالها كاف فى الدلالة على استحالة الاستجابة ووصف الأرجل بالمشى بها للإيذان بأن مدار الإنكار هو الوصف وإنما وجه إلى الأرجل لا إلى الوصف بأن يقال أيمشون بأرجلهم لتحقيق أنها حيث لم يظهر منها ما يظهر من سائر الأرجل فهى ليست بأرجل فى الحقيقة وكذا الكلام فيما بعده من الجوارح* الثلاث الباقية وكلمة أم فى قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها) منقطعة وما فيها من الهمزة لما مر من التبكيت والإلزام وبل للاضراب المفيد للانتقال من فن من التبكيت بعد تمامه إلى فن آخر منه لما ذكر من المزايا والبطش الأخذ بقوة وقرىء يبطشون بضم الطاء وهى لغة فيه والمعنى بل ألهم أيد يأخذون بها ما يريدون أخذه وتأخير هذا عما قبله لما أن المشى حالهم فى أنفسهم والبطش حالهم* بالنسبة إلى الغير وأما تقديمه على قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها)