(إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣٥)
____________________________________
فإنه نفى عن وجه الأرض لدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة وإزالة الأمن وعند الشافعى رضى الله عنه النفى من بلد إلى بلد لا يزال يطلب وهو هارب فزعا وقيل هو النفى عن بلده* فقط وكانوا ينفونهم إلى دهلك وهو بلد فى أقصى تهامة وناصع وهو بلد من بلاد الحبشة (ذلِكَ) أى* ما فصل من الأحكام والأجزية قيل هو مبتدأ وقوله تعالى (لَهُمْ خِزْيٌ) جملة من خبر مقدم على المبتدأ* وقوله تعالى (فِي الدُّنْيا) متعلق بمحذوف وقع صفة لخزى أو متعلق بخزى على الظرفية والجملة فى محل الرفع على أنها خبر لذلك وقيل خزى خبر لذلك ولهم متعلق بمحذوف وقع حالا من خزى لأنه فى الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا وفى الدنيا إما صفة لخزى أو متعلق به على مامر والخزى الذل* والفضيحة (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ) غير هذا (عَذابٌ عَظِيمٌ) لا يقادر قدره لغاية عظم جنايتهم فقوله تعالى (أَرْجُلُهُمْ) خبر مقدم و (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر و (فِي الْآخِرَةِ) متعلق بمحذوف وقع حالا من (عَذابٌ) لأنه فى الأصل صفة له فلما قدم انتصب حالا أى كائنا فى الآخرة (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) استثناء* مخصوص بما هو من حقوق الله عزوجل كما ينبىء عنه قوله تعالى (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أما ما هو من حقوق الأولياء من القصاص ونحوه فإليهم ذلك إن شاءوا عفوا وإن أحبوا استوفوا وإنما يسقط بالتوبة وجوب استيفائه لا جوازه وعن على رضى الله عنه أن الحرث بن بدرجاءه تائبا بعد ما كان يقطع الطريق فقبل توبته ودرأ عنه العقوبة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) لما ذكر عظم شأن القتل والفساد وبين حكمهما وأشير فى تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب من جنايته أمر المؤمنون بأن يتقوه تعالى فى كل ما يأتون وما يذرون بترك ما يجب اتقاؤه من المعاصى التى من جملتها ما ذكر من القتل والفساد وبفعل الطاعات التى من زمرتها السعى فى إحياء النفوس ودفع الفساد والمسارعة إلى التوبة والاستغفار* (وَابْتَغُوا) أى اطلبوا لأنفسكم (إِلَيْهِ) أى إلى ثوابه والزلفى منه (الْوَسِيلَةَ) هى فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله تعالى من فعل الطاعات وترك المعاصى من وسل إلى كذا أى تقرب إليه بشىء وإليه متعلق بها قدم عليها للاهتمام به وليست بمصدر حتى لا تعمل فيما قبلها ولعل المراد بها الاتقاء المأمور به فإنه ملاك الأمر كله كما أشير إليه وذريعة لنيل كل خير ومنجاة من كل ضير فالجملة حينئذ جارية مما قبلها مجرى البيان والتأكيد أو مطلق الوسيلة وهو داخل فيها دخولا أوليا وقيل الجملة الأولى أمر بترك المعاصى والثانية أمر بفعل الطاعات وحيث كان فى كل من ترك المعاصى المشتهاة للنفس وفعل الطاعات المكروهة* لها كلفة ومشقة عقب الأمر بهما بقوله تعالى (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) بمحاربة أعدائه البارزة والكامنة* (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) بنيل مرضاته والفوز بكراماته.