(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣٦)
____________________________________
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) كلام مبتدأ مسوق لتأكيد وجوب الامتثال بالأوامر السابقة وترغيب المؤمنين فى المسارعة إلى تحصيل الوسيلة إليه عزوجل قبل انقضاء أو انه ببيان استحالة توسل الكفار يوم القيامة بأقوى الوسائل إلى النجاة من العذاب فضلا عن نيل الثواب (لَوْ أَنَّ لَهُمْ) أى لكل واحد منهم كما فى قوله* تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ) الخ لا لجميعهم إذ ليس فى ذلك هذه المرتبة من تهويل الأمر وتفظيع الحال (ما فِي الْأَرْضِ) أى من أصناف أموالها وذخائرها وسائر منافعها قاطبة وهو اسم أن ولهم خبرها ومحلها* الرفع بلا خلاف خلا أنه عند سيبويه رفع على الابتداء ولا حاجة فيه إلى الخبر الاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه وقد اختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد لو وقيل الخبر محذوف ثم قيل يقدر مقدما أى لو ثابت كون ما فى الأرض لهم وقيل يقدر مؤخرا أى لو كون ما فى الأرض لهم ثابت وعند المبرد والزجاج والكوفيين رفع على الفاعلية والفعل مقدر بعد لو أى لو ثبت أن لهم ما فى الأرض وقوله تعالى (جَمِيعاً) توكيد للموصول أو حال منه (وَمِثْلَهُ) بالنصب عطف عليه وقوله تعالى (مَعَهُ) ظرف وقع* حالا من المعطوف والضمير راجع إلى الموصول وفائدته التصريح بفرض كينونتهما لهم بطريق المعية لا بطريق التعاقب تحقيقا لكمال فظاعة الأمر مع ما فيه من نوع إشعار بكونهما شيئا واحدا وتمهيدا لإفراد الضمير الراجع إليهم واللام فى قوله تعالى (لِيَفْتَدُوا بِهِ) متعلقة بما تعلق به خبر أن أعنى الاستقرار* المقدر فى لهم وبالخبر المقدر عند من يرى تقدير الخبر مقدما أو مؤخرا وبالفعل المقدر بعد لو على رأى المبرد ومن نحا نحوه ولا ريب فى أن مدار الافتداء بما ذكر هو كونه لهم لا ثبوت كونه لهم وإن كان مستلزما له والباء فى به متعلقة بالافتداء والضمير راجع إلى الموصول ومثله معا وتوحيده إما لما أشير إليه وإما لإجرائه مجرى اسم الإشارة كأنه قيل بذلك كما فى قوله [كأنه فى الجلد توليع البهق] أى كأن ذلك وقيل هو راجع إلى الموصول والعائد إلى المعطوف أعنى مثله محذوف كما حذف الخبر من قيار فى قوله [فإنى وقيار بها لغريب] أى وقيار أيضا غريب وقد جوز أن يكون نصب ومثله على أنه مفعول معه ناصبه الفعل المقدر بعد لو تفريعا على مذهب المبرد ومن رأى رأيه وأنت خبير بأن يؤدى إلى كون الرافع للفاعل غير الناصب للمفعول معه لأن المعنى على اعتبار المعية بين ما فى الأرض ومثله فى الكينونة لهم لا فى ثبوت تلك الكينونة وتحقيقها ولا مساغ لجعل ناصبه الاستقرار المقدر فى لهم لما أن سيبويه قد نص على اسم الإشارة وحرف الجر المتضمن للاستقرار لا يعملان فى المفعول معه وأن قوله هذا لك وأباك قبيح وإن جوزه بعض النحاة فى الظرف وحرف الجر وقوله تعالى (مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) * متعلق بالافتداء أيضا أى لو أن ما فى الأرض ومثله ثابت لهم ليجعلوه فدية لأنفسهم من العذاب الواقع يومئذ (ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ) ذلك وهو جواب لو وترتيبه على كون ذلك لهم لأجل افتدائهم به من غير