(فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٠)
____________________________________
والمأخوذ يساوى عشرة دراهم فما فوقها مع شروط فصلت فى موقعها والمراد بأيديهما أيمانهما كما يفصح عنه قراءة ابن مسعود رضى الله تعالى عنه والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما فى قوله تعالى (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) اكتفاء بتثنية المضاف إليه واليد اسم لتمام الجارحة ولذلك ذهب الخوارج إلى أن المقطع هو المنكب والجمهور على أنه الرسغ لأنه عليه الصلاة والسلام أتى بسارق فأمر بقطع يمينه منه (جَزاءً) نصب على أنه مفعول له أى فاقطعوا للجزاء أو مصدر مؤكد* لفعله الذى يدل عليه فاقطعوا أى فجاوزهما جزاء وقوله تعالى (بِما كَسَبا) على الأول متعلق بجزاء* وعلى الثانى باقطعوا وما مصدرية أى بسبب كسبهما أو موصولة أى ما كسباه من السرقة التى تباشر بالأيدى وقوله تعالى (نَكالاً) مفعول له أيضا على البدلية من جزاء لأنهما من نوع واحد وقيل القطع* معلل بالجزاء والقطع المعلل معلل بالنكال وقيل هو منصوب بجزاء على طريقة الأحوال المتداخلة فانه علة للجزاء والجزاء علة للقطع كما إذا قلت ضربته تأديبا له إحسانا إليه فإن الضرب معلل بالتأديب والتأديب معلل بالإحسان وقد أجازوا فى قوله عزوجل (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أن يكون بغيا مفعولا له ناصبه أن يكفروا ثم قالوا إن قوله تعالى (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ) مفعول له ناصبه (بَغْياً) على أن الثنزيل علة للبغى والبغى علة للكفر وقوله تعالى (مِنَ اللهِ) متعلق بمحذوف وقع* صفة لنكالا أى نكالا كائنا منه تعالى (وَاللهُ عَزِيزٌ) غالب على أمره يمضيه كيف يشاء من غيرند ينازعه* ولا ضد يمانعه (حَكِيمٌ) فى شرائعه لا يحكم إلا ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ولذلك شرع هذه الشرائع* المنطوية على فنون الحكم والمصالح (فَمَنْ تابَ) أى من السراق إلى الله تعالى (مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ) الذى هو سرقته والتصريح به مع أن التوبة لا تتصور قبله لبيان عظم نعمته تعالى بتذكير عظم جنايته (وَأَصْلَحَ) * أى أمره بالتفصى عن تبعات ما باشره والعزم على ترك المعاودة إليها (فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) أى يقبل توبته* فلا يعذبه فى الآخرة وأما القطع فلا تسقطه التوبة عندنا لأن فيه حق المسروق منه وتسقطه عند الشافعى فى أحد قوليه (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) مبالغ فى المغفرة والرحمة ولذلك يقبل توبته وهو تعليل لما قبله* وإظهار الاسم الجليل للإشعار بعلة الحكم وتأييد استقلال الجملة وكذا فى قوله عزوجل (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فإن عنوان الألوهية مدار أحكام ملكوتهما والجار والمجرور خبر مقدم وملك السموات والأرض مبتدأ والجملة خبر لأن وهى مع ما فى حيزها سادة مسد مفعولى تعلم عند الجمهور وما فيه من تكرير الإسناد لتقوية الحكم والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بطريق التلوين وقيل لكل أحد صالح للخطاب والاستفهام الإنكارى لتقرير العلم والمراد به الاستشهاد بذلك على قدرته تعالى