(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٤٢)
____________________________________
(سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) خبر آخر للمبتدأ المقدر كرر تأكيدا لما قبله وتمهيدا لما بعده من قوله تعالى (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وهو أيضا خبر آخر للمقدر وارد على طريقة الذم أو بناء على أن المراد بالكذب ما يفتعله الراشون عند الأكالين والسحت بضم السين وسكون الحاء فى الأصل كل مالا يحل كسبه وقيل هو الخرام مطلقا من سحته إذا استأصله سمى به لأنه مسحوت البركة والمراد به ههنا إما الرشا التى كان يأخذها المحرفون على تحريفهم وسائر أحكامهم الزائغة وهو المشهور أو ما كان يأخذه فقراؤهم من أغنيائهم من المال ليقيموا على اليهودية كما قيل وإما مطلق الحرام المنتظم لما ذكر انتظاما أوليا وقرىء للسحت بضم السين والحاء وبفتحهما وبفتح السين وسكون الحاء وبكسر السين وسكون الحاء وعن النبى صلىاللهعليهوسلم كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به (فَإِنْ جاؤُكَ) لما بين تفاصيل أمورهم الواهية وأحوالهم المختلفة الموجبة لعدم المبالاة بهم* وبأفاعليهم حسبما أمر به صلىاللهعليهوسلم خوطب صلىاللهعليهوسلم ببعض ما يبتنى عليه من الأحكام بطريق التفريع والفاء فصيحة أى وإذا كان حالهم كما شرح فإن جاءوك متحاكمين إليك فيما شجر بينهم من الخصومات (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) غير مبال بهم ولا خائف من جهتهم أصلا وهذا كما ترى تخيير له صلىاللهعليهوسلم بين الأمرين فقيل هو فى أمر خاص هو ما ذكر من زنا المحصن وقيل فى قتيل قتل من اليهود فى بنى قريظة والنضير فتحاكموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال بنو قريظة إخواننا بنو النضير أبونا واحد وديننا واحد ونبينا واحد وإذا قتلوا منا قتيلا لم يرضوا بالقود وأعطونا سبعين وسقا من تمر وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتل وأخذوا منا الضعف مائة وأربعين وسقا من تمر وإن كان القتيل امرأة قتلوا بها الرجل منا وبالرجل منهم الرجلين منا وبالعبد منهم الحر منا فاقض بيننا فجعل صلىاللهعليهوسلم الدية سواء وقيل هو عام فى جميع الحكومات ثم اختلفوا فمن قائل إنه ثابت وهو المروى عن عطاء والنخعى والشعبى وقتادة وأبى بكر الأصم وأبى مسلم وقائل إنه منسوخ وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما لم ينسخ من المائدة إلا آيتان قوله تعالى (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) نسخها قوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) وقوله تعالى (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) نسخها قوله تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وعليه مشايخنا (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ) بيان لحال الأمرين إثر تخييره صلىاللهعليهوسلم بينهما وتقديم حال الإعراض للمسارعة إلى بيان أن لا ضرر فيه حيث كان مظنة الضرر لما أنهم كانوا لا يتحاكمون إليه صلىاللهعليهوسلم إلا لطلب الأيسر والأهون عليهم فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومة بينهم شق ذلك عليهم فتشتد عداوتهم ومضاراتهم له صلىاللهعليهوسلم فأمنه الله عزوجل بقوله (فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) من الضرر فإن الله عاصمك من الناس (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) بالعدل الذى أمرت به كما حكمت بالرجم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ومن ضرورته أن يحفظهم* عن كل مكروه ومحذور.