(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٤٨)
____________________________________
والسلام وشواهد نبوته وما قررته الشريعة الشريفة من أحكامه وأما أحكامه المنسوخة فليس الحكم بها حكما بما أنزل الله فيه بل هو إبطال وتعطيل له إذ هو شاهد بنسخها وانتهاء وقت العمل بها لأن شهادته بصحة ما ينسخها من الشريعة شهادة بنسخها وبأن أحكامه ما قررته تلك الشريعة التى شهد بصحتها كما سيأتى فى قوله تعالى (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) الآية وقيل هو حكاية للأمر الوارد عليهم بتقدير فعل معطوف على آتيناه أى وقلنا ليحكم أهل الإنجيل الخ وقرىء وأن ليحكم على أن أن موصولة بالأمر كما فى قولك أمرته بأن قم كأنه قيل وآتيناه الإنجيل وأمرنا بأن يحكم أهل الإنجيل الخ وقرىء على صيغة المضارع ولام التعليل على أنها متعلقة بمقدر كأنه قيل وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه إياه وقد عطف على هدى وموعظة على أنهما مفعول لهما كأنه قيل وللهدى والموعظة* آتيناه إياه وللحكم بما أنزل الله فيه (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) منكرا له مستهينا به (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) المتمردون الخارجون عن الإيمان والجملة تذييل مقرر لمضمون الجملة السابقة ومؤكد لوجوب الامتثال بالأمر وفيه دلالة على أن الإنجيل مشتمل على الأحكام وأن عيسى عليهالسلام كان مستقلا بالشرع مأمورا بالعمل بما فيه من الأحكام قلت أو كثرت لا بما فى التوراة خاصة وحمله على معنى وليحكم بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة خلاف الظاهر (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أى الفرد الكامل الحقيقى بأن يسمى كتابا على الإطلاق لحيازته جميع الأوصاف الكمالية لجنس الكتاب السماوى وتفوقه على بقية أفراده وهو القرآن الكريم فاللام للعهد والجملة عطف على (أَنْزَلْنا) وما عطف عليه وقوله تعالى* (بِالْحَقِّ) متعلق بمحذوف وقع حالا مؤكدة من الكتاب أى ملتبسا بالحق والصدق وقيل من فاعل* أنزلنا وقيل من الكاف فى إليك وقوله تعالى (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) حال من (الْكِتابَ) أى حال كونه مصدقا لما تقدمه إما من حيث إنه نازل حسبما نعت فيه أو من حيث أنه موافق له فى القصص والمواعيد والدعوة إلى الحق والعدل بين الناس والنهى عن المعاصى والفواحش وأما ما يتراءى من مخالفته له فى بعض جزئيات الأحكام المتغيرة بسبب تغير الأعصار فليست بمخالفة فى الحقيقة بل هى موافقة لها من حيث إن كلا من تلك الأحكام حق بالإضافة إلى عصره متضمن للحكمة التى عليها يدور أمر الشريعة وليس فى المتقدم دلالة على أبدية أحكامه المنسوخة حتى يخالفه الناسخ المتأخر وإنما يدل على مشروعيتها مطلقا من غير تعرض لبقائها وزوالها بل نقول هو ناطق بزوالها لما أن النطق بصحة ما ينسخها نطق* ينسخها وزوالها وقوله تعالى (مِنَ الْكِتابِ) بيان لما واللام للجنس إذ المراد هو الكتاب السماوى وهو