(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٧٢)
____________________________________
الجنايات الصادرة عنهم لا تكاد تتناهى خلا أن انحصار ما حكى عنهم ههنا فى المرتين وترتبه على حكاية ما فعلوا بالرسل عليهمالسلام يقضى بأن المراد ما ذكرناه والله عنده علم الكتاب وفرىء عموا وصموا بالضم على تقدير عماهم الله وصمهم أى رماهم وضربهم بالعمى والصمم كما يقال نزكته إذا ضربته بالنيزك وركبته إذا ضربته بركبتك وقوله تعالى (كَثِيرٌ مِنْهُمْ) بدل من الضمير فى الفعلين وقيل خبر مبتدأ محذوف* أى أولئك كثير منهم (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) أى بما عملوا وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية* استحضارا لصورتها الفظيعة ورعاية للفواصل والجملة تذييل أشير به إلى بطلان حسبانهم المذكور ووقوع العذاب من حيث لم يحتسبوا إشارة إجمالية اكتفى بها تعويلا على ما فصل نوع تفصيل فى سورة بنى إسرائيل والمعنى حسبوا أن لا يصيبهم عذاب ففعلوا ما فعلوا من الجنايات العظيمة المستوجبة لأشد العقوبات والله بصير بتفاصيلها فكيف لا يؤاخذهم بها ومن أين لهم ذلك الحسبان الباطل ولقد وقع ذلك فى المرة الأولى حيث سلط الله تعالى عليهم بخت نصر عامل لهراسب على بابل وقيل جالوت الجزرى وقيل سنجاريب من أهل نينوى والأول هو الأظهر فاستولى على بيت المقدس فقتل من أهله أربعين ألفا ممن يقرأ التوراة وذهب بالبقية إلى أرضه فبقوا هناك على أقصى ما يكون من الذل والنكد إلى أن أحدثوا توبة صحيحة فردهم الله عزوجل إلى ما حكى عنهم من حسن الحال ثم عادوا إلى المرة الآخرة من الإفساد فبعث الله تعالى عليهم الفرس فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه خيدرود وقيل خيدروس ففعل بهم ما فعل قيل دخل صاحب الجيش مذبح قرابينهم فوجد فيه دما يغلى فسألهم فقالوا دم قربان لم يقبل منا فقال ما صدقونى فقتل عليه ألوفا منهم ثم قال إن لم تصدقونى ما تركت منكم أحدا فقالوا إنه دم يحيى عليهالسلام فقال بمثل هذا ينتقم الله تعالى منكم ثم قال يا يحيى قد علم ربى وربك ما أصاب قومك من أجلك فاهدأ بأذن الله تعالى قبل أن لا أبقى أحدا منهم فهدأ (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) شروع فى تفصيل قبائح النصارى وإبطال أقوالهم الفاسدة بعد تفصيل قبائح اليهود وهؤلاء هم الذين قالوا إن مريم ولدت إلها قيل هم الملكانية والمار يعقوبية منهم وقيل هم اليعقوبية خاصة قالوا ومعنى هذا أن الله تعالى حل فى ذات عيسى واتحد بذاته تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (وَقالَ الْمَسِيحُ) * حال من فاعل قالوا بتقدير قد مفيدة لمزيد تقبيح حالهم ببيان تكذيبهم للمسيح وعدم انزجارهم عما أصروا عليه بما أوعدهم به أى قالوا ذلك وقد قال المسيح مخاطبا لهم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) فإنى* عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقى وخالقكم (إِنَّهُ) أى الشأن (مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ) أى شيئا فى عبادته أو فيما* يختص به من صفات الألوهية (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) فلن يدخلها أبدا كما لا يصل المحرم عليه إلى