(قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٧٦) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (٧٧)
____________________________________
إلا رتبة بشرين أحدهما نبى والآخر صحابى فمن أين لكم أن تصفوهما بما لا يوصف به سائر الأنبياء وخواصهم* (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) استئناف مبين لما أشير إليه من كونهما كسائر أفراد البشر فى الاحتياج إلى ما يحتاج* إليه كل فرد من أفراده بل من أفراد الحيوان وقوله تعالى (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) تعجيب من حال الذين يدعون لهما الربوبية ولا يرعوون عن ذلك بعد ما بين لهم حقيقة حالهما بيانا لا يحوم حوله شائبة ريب وكيف معمول لنبين والجملة فى حيز النصب معلقة لا نظر أى انظر كيف نبين لهم الآيات الباهرة* المنادية ببطلان ما تقولوا عليهما نداء يكاد يسمعه صم الجبال (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) أى كيف يصرفون عن استماعها والتأمل فيها والكلام فيه كما فيما قبله وتكرير الأمر بالنظر للمبالغة فى التعجيب وثم لإظهار ما بين العجبين من التفاوت أى إن بياننا للآيات أمر بديع فى بابه بالغ لأقاصى الغايات القاصية من التحقيق والإيضاح وإعراضهم عنها مع انتفاء ما يصححه بالمرة وتعاضد ما يوجب قبولها أعجب وأبدع (قُلْ) أمر* له عليه الصلاة والسلام بإلزامهم وتبكيتهم إثر تعجيبه من أحوالهم (أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أى متجاوزين* إياه وتقديمه على قوله تعالى (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر والموصول عبارة عن عيسى عليهالسلام وإيثاره على كلمة من لتحقيق ما هو المراد من كونه بمعزل من الألوهية رأسا ببيان انتظامه عليهالسلام فى سلك الأشياء التى لا قدرة لها على شىء أصلا وهو عليهالسلام وإن كان يملك ذلك بتمليكه تعالى إياه لكنه لا يملكه من ذاته ولا يملك مثل ما يضر به الله تعالى من البلايا والمصائب وما ينفع به من الصحة وتقديم الضرر على النفع لأن التحرز عنه أهم من* تحرى النفع ولأن أدنى درجات التأثير دفع الشر ثم جلب الخير وقوله تعالى (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) حال من فاعل أتعبدون مؤكد للإنكار والتوبيخ ومقرر للإلزام والتبكيت والرابط هو الواو أى أتشركون بالله تعالى ما لا يقدر على شىء من ضركم ونفعكم والحال أن الله تعالى هو المختص بالإحاطة التامة بجميع المسموعات والمعلومات التى من جملتها ما أنتم عليه من الأقوال الباطلة والعقائد الزائغة والأعمال السيئة وبالقدرة الباهرة على جميع المقدورات التى من جملتها مضاركم ومنافعكم فى الدنيا والآخرة (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى فريقى أهل الكتاب بطريق الالتفات على لسان النبى صلىاللهعليهوسلم بعد إبطال مسلك كل منهما للمبالغة فى زجرهم عما سلكوه من المسلك الباطل وإرشادهم إلى الأمم* المئئاة (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ) أى لا تتجاوزوا الحد وهو نهى للنصارى عن رفع عيسى عن رتبة الرسالة إلى ما تقولوا فى حقه من العظيمة ولليهود عن وضعهم له عليهالسلام عن رتبته العلية إلى ما تقولوا عليه من الكلمة الشنعاء وقيل هو خاص بالنصارى كما فى سورة النساء فذكرهم بعنوان أهلية الكتاب لتذكير أن