(وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣) وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) (٨٤)
____________________________________
إنه أعجمى وقال قطرب القس والقسيس العالم بلغة الروم وقيل ضيعت النصارى الإنجيل وما فيه وبقى منهم* رجل يقال له قسيسا لم يبدل دينه فمن راعى هديه ودينه قيل له قسيس (وَرُهْباناً) وهو جمع راهب كراكب وركبان وفارس وفرسان وقيل إنه يطلق على الواحد وعلى الجمع وأنشد فيه قول من قال[لو عاينت رهبان دير فى قلل * لأقبل الرهبان يعدو ونزل] والترهب التعبد فى الصومعة قال الراغب الرهبانية الغلو فى تحمل التعبد من فرط الخوف والتنكير لإفادة الكثرة ولا بد من اعتبارها فى القسيسين أيضا إذهى التى تدل على مودة جنس النصارى للمؤمنين فإن اتصاف أفراد كثيرة لجنس بخصلة مظنة لا تصاف الجنس بها وإلا فمن اليهود أيضا قوم مهتدون ألا يرى إلى عبد الله بن سلام وأضرابه قال تعالى (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ) الخ لكنهم لما لم يكونوا فى الكثرة كالذين من النصارى* لم يتعد حكمهم إلى جنس اليهود (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) عطف على أن منهم أى وبأنهم لا يستكبرون عن قبول الحق إذا فهموا ويتواضعون ولا يتكبرون كاليهود وهذه الخصلة شاملة لجميع أفراد الجنس فسببيتها لأقربيتهم مودة للمؤمنين واضحة وفيه دليل على أن التواضع والإقبال على العلم والعمل والإعراض عن الشهوات محمود وإن كان ذلك من كافر (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) عطف على لا يستكبرون أى ذلك بسبب أنهم لا يستكبرون وأن أعينهم تفيض من الدمع عند سماع القرآن وهو بيان لرقة قلوبهم* وشدة خشيتهم ومسارعتهم إلى قبول الحق وعدم إبائهم إياه (تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) أى تمتلىء بالدمع فاستعير له الفيض الذى هو الانصباب عن امتلاء مبالغة أو جعلت أعينهم من فرط البكاء كأنها* تفيض بأنفسها (مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) من الأولى لابتداء الغاية والثانية لتبيين الموصول أى ابتدأ الفيض ونشأ من معرفة الحق وحصل من أجله وبسببه ويحتمل أن تكون الثانية تبعيضية لأن ما عرفوه بعض الحق وحيث أبكاهم ذلك فما ظنك بهم لو عرفوا كله وقرءوا القرآن وأحاطوا بالسنة وقرىء ترى أعينهم* على صيغة المبنى للمفعول (يَقُولُونَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية حالهم عند سماع القرآن* كأنه قيل ماذا يقولون فقيل يقولون (رَبَّنا آمَنَّا) بهذا أو بمن أنزل هذا عليه أو بهما وقيل حال من الضمير فى عرفوا أو من الضمير المجرور فى أعينهم لما أن المضاف جزؤه كما فى قوله تعالى (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) أى الذين شهدوا بأنه حق أو بنبوته أو مع أمته الذين هم شهداء على الأمم يوم القيامة وإنما قالوا ذلك لأنهم وجدوا ذكرهم فى الإنجيل كذلك (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ) كلام مستأنف قالوه تحقيقا لإيمانهم وتقريرا له بإنكار سبب انتفائه ونفيه بالكلية على أن قوله تعالى (لا نُؤْمِنُ) حال من الضمير فى (لَنا) والعامل ما فيه من الاستقرار أى أى شىء حصل لنا