رواية أخرى قال أبو بكر رضى الله تعالى عنه يا رسول الله كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوا الخمر وفعلوا القمار فنزلت وليست كلمة ما فى ما طعموا عبارة عن المباحات خاصة وإلا لزم تقييد إباحتها باتقاء ما عداها من المحرمات لقوله تعالى (إِذا مَا اتَّقَوْا) واللازم منتف بالضرورة بل هى على عمومها موصولة* كانت أو موصوفة وإنما تخصصت بذلك القيد الطارىء عليها والمعنى ليس عليهم جناح فيما تناولوه من المأكول والمشروب كائنا ما كان إذا اتقوا أن يكون فى ذلك شىء من المحرمات وإلا لم يكن نفى الجناح فى كل ما طعموه بل فى بعضه ولا محذور فيه إذ اللازم منه تقييد إباحة الكل بأن لا يكون فيه محرم لا تقيد إباحة بعضه باتقاء بعض آخر منه كما هو اللازم من الأول (وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أى واستمروا* على الإيمان والأعمال الصالحة وقوله تعالى (ثُمَّ اتَّقَوْا) عطف على اتقوا داخل معه فى حيز الشرط أى* اتقوا ما حرم عليهم بعد ذلك مع كونه مباحا فيما سبق (وَآمَنُوا) أى بتحريمه وتقديم الاتقاء عليه إما* للاعتناء به أو لأنه الذى يدل على التحريم الحادث الذى هو المؤمن به أو استمروا على الإيمان (ثُمَّ اتَّقَوْا) * أى ما حرم عليهم بعد ذلك مما كان مباحا من قبل على أن المشروط بالاتقاء فى كل مرة إباحة كل ما طعموه فى ذلك الوقت لا إباحة كل ما طعموه قبله لانتساخ إباحة بعضه حينئذ (وَأَحْسَنُوا) أى عملوا الأعمال* الحسنة الجميلة المنتظمة لجميع ما ذكر من الأعمال القلبية والقالبية وليس تخصيص هذه المرات بالذكر لتخصيص الحكم بها بل لبيان التعدد والتكرر بالغا ما بلغ والمعنى أنهم إذا اتقوا المحرمات واستمروا على ما هم عليه من الإيمان والأعمال الصالحة وكانوا فى طاعة الله ومراعاة أوامره ونواهيه بحيث كلما حرم عليهم شىء من المباحات اتقوه ثم وثم فلا جناح عليهم فيما طعموه فى كل مرة من المطاعم والمشارب إذ ليس فيها شىء محرم عند طعمه وأنت خبير بأن ما عدا اتقاء المحرمات من الصفات الجميلة المذكورة لا دخل لها فى انتفاء الجناح وإنما ذكرت فى حيز إذا شهادة باتصاف الذين سئل عن حالهم بها ومدحا لهم بذلك وحمدا لأحوالهم وقد أشير إلى ذلك حيث جعلت تلك الصفات تبعا للاتقاء فى كل مرة تمييزا بينها وبين ما له دخل فى الحكم فإن مساق النظم الكريم بطريق العبارة وإن كان لبيان حال المتصفين بما ذكر من النعوت فيما سيأتى بقضية كلمة إذا ما لكنه قد أخرج مخرج الجواب عن حال الماضين لإثبات الحكم فى حقهم فى ضمن التشريع الكلى على الوجه البرهانى بطريق دلالة النص بناء على كمال اشتهارهم بالاتصاف بها فكأنه قيل ليس عليهم جناح فيما طعموه إذا كانوا فى طاعته تعالى مع ما لهم من الصفات الحميدة بحيث كلما أمروا بشىء تلقوه بالامتثال وإنما كانوا يتعاطون الخمر والميسر فى حياتهم لعدم تحريمها إذ داك ولو حرما فى عصرهم لا تقوهما بالمرة هذا وقد قيل التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة أو باعتبار الحالات الثلاث استعمال الإنسان التقوى بينه وبين نفسه وبينه وبين الناس وبينه وبين الله عزوجل ولذلك جىء بالإحسان فى الكرة الثالثة بدل الإيمان إشارة إلى ما قاله عليه الصلاة والسلام فى تفسيره أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ والوسط والمنتهى أو باعتبار ما يتقى فإنه ينبغى أن يترك المحرمات توقيا من العقاب والشبهات توقيا من الوقوع فى الحرام وبعض المباحات حفظا للنفس عن الخسة وتهذيبا لها عن دنس الطبيعة وقيل التكرير لمجرد التأكيد كما فى قوله تعالى (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) ونظائره وقيل المراد بالأول اتقاء الكفر وبالثانى