(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٩٤)
____________________________________
اتقاء الكبائر وبالثالث اتقاء الصغائر ولا ريب فى أنه لا تعلق لهذه الاعتبارات بالمقام فأحسن التأمل (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله أبلغ تقرير (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ) جواب* قسم محذوف أى والله ليعاملنكم معاملة من يختبركم ليتعرف أحوالكم (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) أى من صيد البر مأكولا أو غير مأكول ما عدا المستثنيات من الفواسق فاللام للعهد نزلت عام الحديبية ابتلاهم الله تعالى بالصيد وهم محرمون كانت الوحوش تغشاهم فى رحالهم بحيث كانوا متمكنين من صيدها أخذا بأيديهم* وطعنا برماحهم وذلك قوله تعالى (تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) فهموا بأخذها فنزلت وروى أنه عن لهم حمار وحش فحمل عليه أبو اليسر بن عمرو فطعنه برمحه وقتله فقيل له قتلته وأنت محرم فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسأله عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية فالتأكيد القسمى فى ليبلونكم إنما هو لتحقيق أن ما وقع من عدم توحش الصيد عنهم ليس إلا لابتلائهم لا لتحقيق وقوع المبتلى به كما لو كان النزول قبل الابتلاء وتنكير شىء للتحقير المؤذن بأن ذلك ليس من الفتن الهائلة التى تزل فيها أقدام الراسخين كالابتلاء بقتل الأنفس وإتلاف الأموال وإنما هو من قبيل ما ابتلى به أهل أيلة من صيد البحر وفائدته التنبيه على أن من لم يتثبت فى مثل هذا كيف يتثبت عند شدائد المحن فمن فى قوله تعالى (مِنَ الصَّيْدِ) بيانية قطعا أى بشىء حقير هو الصيد وجعلها تبعيضية يقتضى اعتبار قلته وحقارته بالنسبة إلى كل الصيد لا بالنسبة إلى عظائم البلايا* فيعرى الكلام عن التنبيه المذكور (لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) أى ليتميز الخائف من عقابه الأخروى وهو غائب مترقب لقوة إيمانه فلا يتعرض للصيد ممن لا يخافه كذلك لضعف إيمانه فيقدم عليه وإنما عبر عن ذلك بعلم الله تعالى اللازم له إيذانا بمدار الجزاء ثوابا وعقابا فإنه أدخل فى حملهم على الخوف وقيل المعنى ليتعلق علمه تعالى بمن يخافه بالفعل فإن علمه تعالى بأنه سيخافه وإن كان متعلقا به قبل خوفه لكن تعلقه بأنه خائف بالفعل وهو الذى يدور عليه أمر الجزاء إنما يكون عند تحقق الخوف بالفعل وقيل هناك مضاف محذوف والتقدير ليعلم أولياء الله وقرىء ليعلم من الإعلام على حذف المفعول الأول أى ليعلم الله عباده الخ والعلم على القراءتين متعد إلى واحد وإظهار الاسم الجليل فى موقع الإضمار لتربية المهابة* وإدخال الروعة (فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ) أى بعد بيان أن ما وقع ابتلاء من جهته تعالى لما ذكر من الحكمة لا بعد تحريمه أو النهى عنه كما قاله بعضهم إذ النهى والتحريم ليس أمرا حادثا يترتب عليه الشرطية بالفاء ولا بعد الابتلاء كما اختاره آخرون لأن نفس الابتلاء لا يصلح مدارا لتشديد العذاب بل ربما يتوهم كونه عذرا مسوغا لتخفيفه وإنما الموجب للتشديد بيان كونه ابتلاء لأن الاعتداء بعد ذلك مكابرة صريحة وعدم مبالاة بتدبير الله تعالى وخروج عن طاعته وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية أى فمن تعرض للصيد* بعد ما بينا أن ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحشه منهم ابتلاء مؤد إلى تمييز المطيع من العاصى (فَلَهُ عَذابٌ