(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) (٩٥)
____________________________________
أَلِيمٌ) لما ذكر من أنه مكابرة محضة ولأن من لا يملك زمام نفسه ولا يراعى حكم الله تعالى فى أمثال هذه البلايا الهينة لا يكاد يراعيه فى عظائم المداحض والمراد بالعذاب الأليم عذاب الدارين قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يوسع ظهره وبطنه جلدا وينزع ثيابه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) شروع فى بيان ما يتدارك به الاعتداء من الأحكام إثر بيان ما يلحقه من العذاب والتصريح بالنهى فى قوله تعالى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) مع كونه معلوما لا سيما من قوله تعالى (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) لتأكيد الحرمة وترتيب ما يعقبه عليه واللام فى الصيد للعهد حسبما سلف وحرم جمع حرام وهو المحرم وإن كان فى الحل وفى حكمه من فى الحرم وإن كان حلالا كردح جمع رداح والجملة حال من فاعل لا تقتلوا أى لا تقتلوه وأنتم محرمون (وَمَنْ قَتَلَهُ) أى الصيد المعهود وذكر القتل فى الموضعين دون الذبح الإيذان؟؟؟ بكونه فى حكم الميتة (مِنْكُمْ) * متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل قتله أى كائنا منكم (مُتَعَمِّداً) حال منه أيضا أى ذاكرا لإحرامه* عالما بحرمة قتل ما يقتله والتقييد بالتعمد مع أن محظورات الإحرام يستوى فيها العمد والخطأ لما أن الآية نزلت فى المتعمد كما مر من قصة أبى اليسر ولأن الأصل فعل المتعمد والخطأ لا حق به للتغليظ وعن الزهرى نزل الكتاب بالعمد ووردت السنة بالخطأ وعن سعيد بن جبير رضى الله عنه لا أرى فى الخطأ شيئا أخذا باشتراط التعمد فى الآية وهو قول داود وعن مجاهد والحسن أن المراد بالتعمد هو تعمد القتل مع نسيان الإحرام أما إذا قتله عمدا وهو ذاكر لإحرامه فلا حكم عليه وأمره إلى الله عزوجل لأنه أعظم من أن يكون له كفارة (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ) برفعهما أى فعليه جزاء مماثل لما قتله وقرىء برفع الأول* ونصب الثانى على إعمال المصدر وقرىء بجر الثانى على إضافته إلى مفعوله وقرىء فجزاؤه مثل ما قتل على الابتداء والخبرية وقرىء بنصبهما على تقدير فليجز جزاء أو فعليه أن يجزى جزاء مثل ما قتل والمراد به عند أبى حنيفة وأبى يوسف رضى الله عنهما المثل باعتبار القيمة يقوم الصيد حيث صيد أو فى أقرب الأماكن إليه فإن بلغت قيمته قيمة هدى يخير الجانى بين أن يشترى بها ما قيمته قيمة الصيد فيهديه إلى الحرم وبين أن يشترى بها طعاما فيعطى كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من غيره وبين أن يصوم عن طعام كل مسكين يوما فإن فضل ما لا يبلغ طعام مسكين تصدق به أو صام عنه يوما كاملا إذ لم يعهد فى الشرع صوم ما دونه فيكون قوله تعالى (مِنَ النَّعَمِ) بيانا للهدى المشترى بالقيمة على أحد وجوه التخيير* فإن من فعل ذلك يصدق عليه أنه جزى بمثل ما قتل من النعم وعند مالك والشافعى رحمهماالله تعالى ومن يرى رأيهما هو المثل باعتبار الخلقة والهيئة لأن الله تعالى أوجب مثل المقتول مقيدا بالنعم فمن اعتبر