المثل بالقيمة فقد خالف النص وعن الصحابة رضى الله عنهم أنهم أوجبوا فى النعامة بدنة وفى الظبى شاة وفى حمار الوحش بقرة وفى الأرنب عناقا وعن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال الضبع صيد وفيه شاة إذا قتله المحرم ولنا أن النص أوجب المثل والمثل المطلق فى الكتاب والسنة وإجماع الأمة والمعقول يراد به إما المثل صورة ومعنى وإما المثل معنى وأما المثل صورة بلا معنى فلا اعتبار له فى الشرع أصلا وإذا لم يمكن إرادة الأول إجماعا تعينت إرادة الثانى لكونه معهودا فى الشرع كما فى حقوق العباد ألا يرى أن المماثلة بين أفراد نوع واحد مع كونها فى غاية القوة والظهور لم يعتبرها الشرع ولم يجعل الحيوان عند الإتلاف مضمونا بفرد آخر من نوعه مماثل له فى عامة الأوصاف بل مضمونا بقيمته مع أن المنصوص عليه فى أمثاله إنما هو المثل قال تعالى (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فحيث لم تعتبر تلك المماثلة القوية مع تيسر معرفتها وسهولة مراعاتها فلئلا تعتبر ما بين أفراد أنواع مختلفة من المماثلة الضعيفة الخفية مع صعوبة مأخذها وتعسر المحافظة عليها أولى وأحرى ولأن القيمة قد أريدت فيما لا نظير له إجماعا فلم يبق غيره مرادا إذ لا عموم للمشترك فى مواقع الإثبات والمراد بالمروى إيجاب النظير باعتبار القيمة لا باعتبار العين ثم الموجب الأصلى للجناية والجزاء المماثل للمقتول إنما هو قيمته لكن لا باعتبار أن يعمد الجانى إليها فيصرفها إلى المصارف ابتداء بل باعتبار أن يجعلها معيارا فيقدر بها إحدى الخصال الثلاث فيقيمها مقامها فقوله تعالى (مِثْلُ ما قَتَلَ) وصف لازم للجزاء غير مفارق عنه بحال وأما قوله تعالى (مِنَ النَّعَمِ) فوصف له معتبر فى ثانى الحال بناء على وصفه الأول الذى هو المعيار له ولما بعده من الطعام والصيام فحقهما أن يعطفا على الوصف المفارق لا على الوصف اللازم فضلا عن العطف على الموصوف كما سيأتى بإذن الله تعالى ومما يرشدك إلى* أن المراد بالمثل هو القيمة قوله عزوجل (يَحْكُمُ بِهِ) أى بمثل ما قتل (ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) أى حكمان عادلان من المسلمين لكن لا لأن التقويم هو الذى يحتاج إلى النظر والاجتهاد من العدول دون الأشياء المشاهدة التى يستوى فى معرفتها كل أحد من الناس فإن ذلك ناشىء من الغفلة عما أرادوا بما به المماثلة بل لأن ما جعلوه مدار المماثلة بين الصيد وبين النعم من ضرب مشاكلة ومضاهاة فى بعض الأوصاف والهيئات مع تحقق التباين بينهما فى بقية الأحوال مما لا يهتدى إليه من أساطين أئمة الاجتهاد وصناديد أهل الهداية والإرشاد إلا المؤيدون بالقوة القدسية ألا يرى أن الإمام الشافعى رضى الله عنه أوجب فى قتل الحمامة شاة بناء على ما أثبت بينهما من المماثلة من حيث أن كلا منهما يعب ويهدر مع أن النسبة بينهما من سائر الحيثيات كما بين الضب والنون فكيف يفوض معرفة أمثال هذه الدقائق العويصة إلى رأى عدلين من آحاد الناس على أن الحكم بهذا المعنى إنما يتعلق بالأنواع لا بالأشخاص فبعد ما عين بمقابلة كل نوع من أنواع الصيد نوع من أنواع النعم يتم الحكم ولا يبقى عند وقوع خصوصيات الحوادث حاجة إلى حكم أصلا وقرىء يحكم به ذو عدل على إرادة جنس العادل دون الوحدة وقيل بل على إرادة الإمام والجملة صفة لجزاء أو حال منه لتخصصه* بالصفة وقوله تعالى (هَدْياً) حال مقدرة من الضمير فى به أو من جزاء لما ذكر من تخصصه بالصفة أو بدل من مثل فيمن نصبه أو من محله فيمن جره أو نصب على المصدر أى يهديه هديا والجملة صفة أخرى لجزاء* (بالِغَ الْكَعْبَةِ) صفة لهديا لأن الإضافة غير حقيقية (أَوْ كَفَّارَةٌ) عطف على محل من النعم على أنه خبر