(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ(١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١١٢)
____________________________________
مبين فهذا حينئذ إشارة إلى عيسى عليهالسلام (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) عطف على ما قبله من أخواتها الواقعة ظروفا للنعمة التى أمر بذكرها وهى وإن كانت فى الحقيقة عين ما يفيده الجمل التى أضيف إليها تلك الظروف من التأييد بروح القدس وتعليم الكتاب والحكمة وسائر الخوارق المعدودة لكنها لمغايرتها لها بعنوان منبىء عن غاية الإحسان أمر بذكرها من تلك الحيثية وجعلت عاملة فى تلك الظروف لكفاية المغايرة الاعتبارية فى تحقيق ما اعتبر فى مدلول كلمة إذ من تعدد النسبة فإنه ظرف موضوع لزمان نسبتين ماضيتين واقعتين فيه إحداهما معلومة الوقوع فيه للمخاطب دون الأخرى فيراد إفادة وقوعها أيضا له فيضاف إلى الجملة المفيدة للنسبة الأولى ويجعل ظرفا معمولا للنسبة الثانية ثم قد تكون المغايرة بين النسبتين بالذات كما فى قولك اذكر إحسانى إليك إذا أحسنت إلى تريد تنبيه المخاطب على وقوع إحسانك إليه وقت وقوع إحسانه إليك وهما نسبتان متغايرتان بالذات وقد تكون بالاعتبار كما فى قولك اذكر إحسانى إليك إذ منعتك من المعصية تريد تنبيهه على كون منعه منها إحسانا إليه لا على إحسان آخر واقع حينئذ ومن هذا القبيل عامة ما وقع فى التنزيل من قوله تعالى (يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) الآية وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) إلى غير ذلك من النظائر ومعنى إيحائه تعالى إليهم أمره تعالى إياهم فى الإنجيل على لسانه عليهالسلام وقيل إلهامه تعالى إياهم كما فى قوله تعالى (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى) وأن فى قوله* تعالى (أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي) مفسرة لما فى الإيحاء من معنى القول وقيل مصدرية وإيراده عليهالسلام بعنوان الرسالة للتنبيه على كيفية الإيمان به عليهالسلام كأنه قيل آمنوا بوحدانيتى فى الألوهية والربوبية* وبرسالة رسولى ولا تزيلوه عن حيزه حطا ولا رفعا وقوله تعالى (قالُوا) استئناف مبنى على سؤال نشأ* من سوق الكلام كأنه قيل فماذا قالوا حين أوحى إليهم ذلك فقيل قالوا (آمَنَّا) أى بما ذكر من وحدانيته* تعالى وبرسالة رسوله كما يؤذن به قولهم (وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) أى مخلصون فى إيماننا من أسلم وجهه لله وهذا القول منهم بمقتضى وحيه تعالى وأمره لهم بذلك نعمة جليلة كسائر النعم الفائضة عليه عليه الصلاة والسلام وكل ذلك نعمة على والدته أيضا. روى أنه عليهالسلام لما علم أنه سيؤمر بذكر هاتيك النعم العظام جعل يلبس الشعر ويأكل الشجر ولا يدخر شيئا لغد يقول لكل يوم رزقه لم يكن له بيت فيخرب ولا ولد فيموت أينما أمسى بات (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) كلام مستأنف مسوق لبيان بعض ما جرى بينه عليهالسلام وبين قومه منقطع عما قبله كما ينبىء عنه الإظهار فى موقع الإضمار وإذ منصوب بمضمر خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم بطريق تلوين الخطاب والالتفات لكن لا لأن الخطاب السابق لعيسى عليه