من كان بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عهد قبل براءة. ويعلّق صاحب المجمع : وينبغي أن يكون ابن عباس أراد بذلك من كان بينه وبينه عقد هدنة ولم يتعرض له بعداوة ولا ظاهر عليه عدوّا ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم صالح أهل هجر وأهل البحرين وأيلة ودومة الجندل وله عهود بالصلح والجزية ولم ينبذ إليهم بنقض عهد ولا حاربهم بعد ، وكانوا أهل ذمة إلى أن مضى لسبيله صلىاللهعليهوآلهوسلم ووفى لهم بذلك من بعده (١).
الظاهر من أجواء الآيات ، أن الذين أعلنت البراءة منهم ، هم الذين عاهدهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معاهدة عامّة من دون تحديد موعد معيّن ، على أساس التعايش الذي أراد من خلاله إنهاء حالة الحرب بينه وبينهم ، ليتفرّغ لترتيب المجتمع المسلم من الداخل ، وليحاول هدايتهم من موقع السلم ، في ما ينفتحون عليه من أجواء الإسلام الروحية التي تثير فيهم مشاعر الهدى والخير والإيمان ، ولكنهم لم يستريحوا لهذا العهد ، بل حاولوا الخيانة والتآمر مع الآخرين ضد الإسلام والمسلمين. أمّا الذين كانت لهم مدّة محدودة ، ممن انسجموا مع الالتزامات التي ينص عليها العهد ، واستمروا على ذلك ، فهم في أمان رسول الله ، الذي أراد الله من نبيه البقاء معهم ما دام الآخرون ملتزمين به. ولعلنا نستفيد ذلك من الفقرات التالية (ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) مما أعطوكم من المواثيق والعهود ، فلم ينقضوا شيئا منها ، ولم يخلّوا بشرط أو التزام ، (وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً) أي لم يتآمروا مع أحد من أعداء الإسلام فيعاونوهم عليكم ، (فَأَتِمُّوا) إليهم (عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ) التي حددتموها لهم ، أمّا الذين لم تحدّدوا لهم مدّة ، أو الذين خانوا العهد ، فأعلنوا البراءة منهم ، لأن الله الذي بيده أمر عباده لا يريد للمعاهدة العامة أن تستمر بين المسلمين والمشركين ، لأن التعايش بينهم لا يحقق صلاحا للإنسان وللحقيقة وللحياة ، مما يجعل من
__________________
(١) الطبرسي ، أبو علي الفضل بن الحسن ، مجمع البيان في تفسير القرآن ، دار إحياء التراث العربي ، ط : ١ ، ١٤١٢ ه ـ ١٩٩٢ م ، ج : ٥ ، ص : ١٠.