القضية ـ في الدعوة ـ ليست مجرد كلمات تقال أو تسمع بطريقة تقليديّة جامدة ، بل هي قضية عقيدة يراد لها أن تتركز وتتعمّق في فكر الإنسان وروحه وضميره ، أو تشكّل ضغطا فكريّا يعمل على إثارة تطلعات المعرفة في شخصية الإنسان (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) ليشعر بأن الإسلام لا يريد أن يستغل ضعف موقعه ، بل يترك له الحريّة في هذا الموقع ، كما ترك له ولغيره الحرية في الأشهر الأربعة (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) وتلك هي مشكلتهم إذ يجحدون حقائق الإيمان وينحرفون في ممارسات الانتماء أو العبادة ، إنها الجهل الغارق في ظلمات التخلّف في النظرة إلى الأشياء ، وفي التعامل مع حركة العلاقات في الحياة. ولهذا كان من مهمّة الدعاة إلى الله أن يعملوا على رفع مستواهم الفكري ، وتوجيههم إلى السّبل التي تقودهم إلى آفاق المعرفة الواسعة المنفتحة على وحي الله وشريعته.
وربما كان لنا أن نستوحي ـ في هذا الاتجاه ـ أنّ علينا أن نقوم بحملة تربوية تثقيفية عامة للشعوب المتخلّفة التي استطاع التخلّف أن يغرقها في ظلمات الجهل ويقودها ـ من خلال ذلك ـ إلى عقائد الكفر والضلال ، مما يجعل من التعليم الذي يتيح للإنسان أن يفكّر ويتأمّل ويناقش ، سبيلا للوصول إلى الإيمان ، كمبدإ في بدايات الطريق ، أو للتأكيد على ثباته واستمراره في حركة الدعوة الممتدة في الحياة. وبذلك يمكن لنا أن نعرف قيمة الخروج من الوضع التقليدي للدعوة الذي لا يدرس المشكلة في مسألة الكفر والإيمان من جذورها التي تتدخل فيها بشكل غير مباشر ، بل يقتصر على مواجهتها بطريقة مباشرة بعيدة عن العمق والامتداد.
* * *