روحية ، تجعل الإنسان المشرك يعيش في وسخ الفكر والروح والشعور عند ما تعيش روحه في آفاق الأصنام لتنسحق أمامها ، وعند ما يختنق فكره في داخل الصنميّة لينتن في مستنقعاتها ، وعند ما يتحرك شعوره في قوالب جامدة من الحجر والخشب واللحم والدم ، ليس فيها شيء من حيويّة الحياة ، ونقاء السموّ ، وحركة الإشراق.
إن للفكر طهارته التي تحوّل الإنسان إلى ينبوع ثرّ متجدّد يتفجر بروحيّة العطاء وحيوية الحياة ، حتى لتشعر أمامه ، وأنت تتمثل الكيان الذي يحتويه ، بالانجذاب إليه ، كما لو كان شيئا يضمّ روحك بروحه ، ويحتوي شعورك في شعوره ، وتحس معه بأن كل شيء فيه نظيف ، لأنه يتحرك من موقع النظافة الداخليّة التي لم تقترب إليها أوساخ الأخلاق والمشاعر والحركات الخارجيّة ، وأيّة طهارة أروع من نهر الإيمان عند ما يتدفق في فكر الإنسان وقلبه ، فيعيش فيه مع الله ، مصدر النقاء في كل شيء ، وسرّ الطهر في كل حياة ، وهكذا يتصل بالأشياء وبالحياة والإنسان ، من مواقعها الفطرية الطبيعيّة التي تنطلق من أعماق الوجدان الحيّ الصافي. وكما هو الإيمان يمثّل عمق الطهارة وحقيقة النقاء وينبوع الصفاء. فإن الشرك يمثل النقيض من ذلك ، إنه يمثل قذارة الرواسب المتعفنة من خلال ظلمات السنين ، وأوحال التاريخ التي يعيش معها الإنسان عفن الفكر والروح والشعور.
وإذا كانت القضية في هذا المستوى ، فإنّ من طبيعة هذا الواقع ، أن لا يقربوا المسجد الحرام الذي جعله الله ساحة للنقاء وللطهارة ، ليتطهر الناس فيها من ذنوبهم وأثقال أخلاقهم وعاداتهم التي تقذّر فيهم معنى الحياة ، فكيف يمكن أن يقترب إليها هؤلاء الذين تمثل عبادتهم للأصنام كل معاني القذارة الروحية والفكرية والعمليّة؟!
* * *