التي تلتقي بالعدالة والحرية والمساواة في الإسلام؟
ولكنّنا لا نرى في هذا الجانب من التشريع أي انتقاص من إنسانية هذا الإنسان ، كما ذهبنا في كلامنا عن تشريع الجزية في الصفحات السابقة ، ونضيف هنا ، إمعانا في البيان ، أنه ربما كان هذا التشريع بعض تأكيد على هذه الإنسانية ، إذ قد نلاحظ ـ في هذا المجال ـ أن الإسلام لم يفرض عليه كثيرا من الضرائب المفروضة على المسلمين ، ولم يحمّله الكثير من مسئولياتهم التي لا تتناسب مع صفته الدينيّة كالقتال ونحوه ، وجعل له في مقابل هذه الضريبة «الجزية» ، حق الحماية والرعاية والمواطنية العامّة التي يكون له فيها ما للمسلمين من حرمات إنسانية ، وعليه ما عليهم من مسئوليات بشكل محدود ، تماما كأية ضريبة داخلية تفرض على المواطنين. وإذا كان قد أبعده عن بعض مواقع المسؤولية في الدولة ، فليس ذلك من خلال التأكيد على اضطهاد دوره ، بل لأن الدولة ترتكز على قاعدة معيّنة من الالتزام العقيديّ ، يفرض على القائم بشؤونها في المواقع المتقدمة أو الحيويّة أن يكون ملتزما بفكر العقيدة ورسالتها وخطواتها العمليّة ومخلصا لأهدافها ، فليس من الطبيعيّ أن يوضع فيها الرافض لرسالتها ، البعيد عن التزامها. وهذا أمر لا يقتصر على الإسلام بل يشمل كل دولة ملتزمة.
وربما كانت وجهة نظر هؤلاء منطلقة من واقع الدولة التي لا تنطلق من قاعدة الالتزام كأساس للانتماء والحكم ، بل من واقع الوجود البشري فيها ، بعيدا عن أيّة فكرة أو عقيدة ، مما يجعل من حق كل فرد في الدولة أن يتسلم الحكم في أيّ موقع من مواقعه ، بل ربما كان من حقه أن يفرض ـ بطريقة وبأخرى ـ رأيه على الآخرين عند تسلّمه الحكم بوسائله الخاصّة. ونحن لا نؤمن بالدولة من هذا المنطلق ، ولذلك فإن دراسة المعنى الإنساني وغير الإنساني في هذا التشريع أو ذاك ، لا يخضع لمقياس واقع الدولة الآن ، بل لمقياس الصفة الفكرية التي تطبع الدولة بطابعها الفكري والسياسي.
* * *