حول القاعدة العقيدية التي يرتكز عليها الحكم ، سواء كان ذلك عن عدم اقتناع أو عناد ، كان من حق الحكم الشرعي أن يحمي وجوده واستمراره وتوازنه ، وذلك بإخضاع هؤلاء للالتزام بمشروعية السلطة في الجانب العمليّ منها ، إمّا بالدخول في النطاق الرسميّ للعقيدة ، وذلك بإظهار الإسلام باعتباره الشكل القانونيّ للاعتراف بشرعيّة الالتزام بالقانون كله ، أو بدفع الضريبة المحدّدة بقانون معيّن ـ وهي تسمى بالجزية ـ في مقابل تحمّل الدولة مسئولية رعايتهم وحمايتهم من كل عدوان أو إساءة أو انتهاك لحرمتهم ، وذلك بإدخالهم في ذمّة المسلمين وعهدهم ، مع إعفائهم من كل الالتزامات التي لا تتناسب مع التزامهم الديني ؛ كإدخالهم في الجيش الذي يحارب بعض إخوانهم في دينهم ، أو لا يتناسب مع مصلحة النظام بشكل عام. فإذا لم يوافقوا على ذلك ورفضوا كل أساس للالتزام بالشروط المطلوبة لصفة المواطن ، كان ذلك دليلا على أنّهم قد أعلنوا التمرّد على الإسلام والمسلمين ، وعند ذلك يجوز قتالهم ، لمنع التمرّد والتعدّي على نظام الأمّة ، حتى يدفعوا الجزية تحت ضغط القوّة ، بعد أن امتنعوا عن دفعها المعبّر عن حالة السلم مع الدولة ، بالرضا والقبول.
وفي ضوء ذلك ، نفهم أنه لا مجال للقتال في الحالات التي ينطلق منها التراضي بينهم وبين المسلمين بدفع الضريبة والاحتكام إلى عقد الذمّة ، الذي يحفظ لهم صفة المواطنية بأفضل طريق.
* * *
الجانب الإنساني في الجزية
وربّما أثيرت أمام هذه الضريبة بعض الشبهات التي تتحدث عن الانتقاص من صفة الإنسانية والمواطنية لهذا الإنسان الذي لا يدين بدين الدولة ، عند ما يفرض عليه أن يدفع الجزية صاغرا ، مما لا يتناسب مع الأجواء