تنطلق من قاعدة العبوديّة لهذا الإنسان أو ذاك ، أو لهذا الهوى أو ذاك ، من أجل أن يثيروا الضباب في وجه الداعين إلى الله ، ويحركوا الظلمة في قلوب الناس ، ويثيروا العواصف العمياء الحاقدة ليطفئوا نور الله ودينه وشريعته بكلماتهم الكافرة المضلّلة غير المسؤولة ، في ما يطلقونه من اتهامات ، ويثيرونه من شبهات ، وينسجونه من حبائل المؤامرات. ولكن الله بالمرصاد لهم في ما يمكرون ويدبرون (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) بإيصاله إلى كل قلب وعقل وروح ، لأن هذا النور هو النور الذي يتحرك في آفاق الروح والعقل ، ليبعث الهدى ، ويهدم الضلال ، ويحقّ الحق ، ويبطل الباطل ، بكلماته (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) الذين يكرهون كل إشراقات الروح ، وفيوضات النور المتفجر من رسالة الله.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) ليبيّنه للناس في عملية إقناع ودعوة وتوعية وليدخله في قلوبهم وضمائرهم التي تنفتح للهدى القادم من قلب الرسالات (وَدِينِ الْحَقِ) الشامل الكامل الذي يتميّز بالسعة والعمق والامتداد في الحياة ، والانطلاق بالإنسان إلى كل سماوات الإبداع الروحي والكمال الإنساني ، والانطلاق الفكري والتركيز العملي الواعي (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) سواء كان دين شرك مما انحرف فيه المشركون ، أو دين توحيد انحرف في طريقه (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الذين ينظرون إلى التوحيد نظرة الأعمي الذي لا يبصر طريقه ، ولا يعرف بدايته ونهايته.
وتلك هي إرادة الله ، في ما يريد للحياة من دين يعيشه الناس بأفكارهم ويمارسونه بأعمالهم ، لتكون الحياة كلها له ، ولم يرد الله لدينه أن يظهر أو ينتصر بالمعجزة الخارقة ، التي تضغط على الواقع ليتغيّر بشكل غير طبيعيّ ، بل أراد له أن يظهر بالوسائل البشريّة الطبيعية المتمثلة بالإقناع بالحكمة والموعظة الحسنة في مجال الدعوة ، وبالجهاد والمواجهة الحاسمة ، بمختلف الوسائل
* * *