بشرى للذين يكنزون الذهب والفضة بالعذاب
ويستمر القرآن في استعراض مظاهر الانحراف لدى «المجتمع الكتابي» من خلال ما يتمثل به من النماذج البشرية المتنوعة القائمة على شؤون هذا المجتمع ، في عملية تضليل وانحراف ، وذلك بفعل المواقع المتقدمة التي تملكها على هذا الصعيد ، ليدلّل على أن موقف الإسلام من هؤلاء ليس ناشئا من الاختلاف في القضايا التي يثيرها الكتاب الذي يؤمنون به في ما أنزل على موسى وعيسى عليهالسلام ، لأن القرآن يعترف به كوحي منزّل من الله ، وإن كان هناك بعض من التحريف الذي قام به هؤلاء الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا ، بل هو ناشئ من استغلالهم الكتاب كواجهة للابتزاز والتضليل واللعب بحياة الناس.
* * *
تحوّل الرهبنة إلى مظهر استغلال
وفي هذا الجوّ ، يقدّم لنا القرآن هؤلاء الذين يملكون الصفة الرسميّة للدين ، ويجعلون من أنفسهم هداة للناس ، في ما يحملونه من علم الكتاب ، أو في ما يمارسونه من تدرّب على الجهاد الداخليّ ، بالعزلة الروحية التي يفرضونها على حياتهم ، أو بالتقشف القاسي الذي يخضعون له أجسادهم ، أو بالبعد عن شهوات الحياة وزخارفها ، وما إلى ذلك من أوضاع وممارسات تجعل منهم القدوة المثلى في نظر الناس ، بحيث يخيّل إليهم أنهم وكلاء الله على الأرض ، فهم الذين يتقرب الناس بهم إلى الله ، وهم الذين يملكون توزيع حصص الجنة عليهم ، كما يملكون توزيع حصص النار لمن لا يرضون عنهم. وهكذا يستطيع هذا الانطباع الذي يحمله الناس عنهم ، أن يؤكد تأثيرهم في المجتمع وسيطرتهم عليه ، وبذلك استطاعوا أن يطوّروا الأساليب من أجل