استغلال مراكزهم ، للاستيلاء على أموال الناس بطرق غير شرعيّة ، تتنوع حسب تنوّع المراحل والأجيال. فقد كان البعض منهم يبيع أراضي الجنّة ، وبعضهم يبيع صكوك الغفران ، وبعضهم يمهّد للظلمة أن يبسطوا سلطانهم على المستضعفين من الناس.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) وذلك من خلال ما يتيحه لهم مركزهم الديني المتصل بالغيب الذي يخيل للناس من خلاله أنهم يملكون عالم الغيب كله ، فيفرضون عليهم باسم الغيب ما يريدون أن يحصلوا عليه منهم من أموال وشهوات ، مستغلّين سذاجة الناس وطيبتهم وجهلهم.
ومن خلال ذلك يريد القرآن أن يوحي إلينا بعدم الاستسلام الكلي للفئة التي تملك هذا المركز الرسميّ للدين ، بل علينا أن نواجهها بحذر ووعي ومراقبة لئلا نعيش مثل هذه التجربة في واقعنا العملي ، فنقع في مثل ما وقعوا فيه ، وننحرف في ما انحرفوا فيه. ولا يريد القرآن أن يعقّد الإنسان تجاه هذه الفئة من الناس ليقضي على الثقة التي يحصلون عليها منهم ، ولكنه يريد أن يفتح عيونهم على الواقع ، فيثير فيهم الاهتمام بدراسته بطريقة واعية تضع في حسابها كل الاحتمالات ، لتتحرك في إعطاء الثقة للآخرين لهؤلاء أو لغيرهم ، من موقع دراسة وتدقيق ، انطلاقا من إمكانات الخطأ لكل إنسان غير معصوم ، ومن وجود تجارب عمليّة لمثل هؤلاء المنحرفين في الماضي والحاضر ، ليتعلم الناس أن يواجهوا الحياة بوعي ، حتى في داخل الأهواء التي تأخذ لنفسها صفة القداسة ، ليكون التأييد عن وعي وقناعة ، وليكون الرفض عن دراسة واطلاع بعيدا عن كل حكم عشوائيّ ، أو تصرّف غير مسئول.
* * *