في جوابه من جانب حامي الملّة المسيحية في مقابلة المنكرين هذا القدر أن شهادة الحواريين مطلوبة لي ولا غرض لي عن رأيهم وان المطلب الأصلي مطلوب ومن جانب النتيجة مأمون ، لكنه لا بدّ أن يلاحظ في هذا الجواب أمران أيضا ليزول الخوف كله : الأول : أن يميّز المقصود الذي كان من إرسال الحواريين ، وثبت من إظهارهم عن الشيء الذي هو أجنبي أو اختلط به اتفاقا. ولا حاجة لنا أن نقول في الأشياء التي هي أجنبية من الدين صراحة ، لكن يقال في الأشياء التي اختلطت بالمقصود اتفاقا قولا ما. ومن هذه الأشياء تسلّط الجنّ ، والذين يفهمون أن هذا الرأي الغلط كان عامّا في ذلك الزمان. فوقع فيه مؤلّفو الأناجيل واليهود الذين كانوا في ذلك الزمان. فلا بدّ أن يقبل هذا الأمر ولا خوف منه في صدق الملّة المسيحية ، لأن هذه المسألة ليست من المسائل التي جاء بها عيسى عليهالسلام ، بل اختلطت بالأقوال المسيحية اتفاقا بسبب كونها رأيا عامّا في تلك المملكة وذلك الزمان. وإصلاح رأي الناس في تأثير الأرواح ليس جزءا من الرسالة ولا علاقة له بالشهادة بوجه ما. والثاني : أن يميّز بين مسائلهم ودلائلهم. فمسائلهم إلهاميّة لكنهم يوردون في أقوالهم لتوضيحها وتقويتها أدلّة ومناسبات. مثلا هذه المسألة من تنصّر من غير اليهود فلا يجب عليه إطاعة الشريعة الموسوية الإلهامي ، وثبت تصديقها بالمعجزات. وبولس إذا ذكر هذا المطلب يذكر أشياء كثيرة في تأييده. فالمسألة واجبة التسليم لكن لا ضرورة أن نصير حامين لصحة كلّ من أدلّة الحواري وتشبيهاته لأجل حماية الملّة المسيحية. وهذا القول يعتبر في موضع آخر أيضا ، وقد تحقّق عند هذا الأمر تحقّقا قويا أن الربانيين إذا اتفقوا على أمر فالنتيجة التي تحصل من مقدماتهم واجبة التسليم. لكنه لا يجب علينا أن نشرح المقدمات كلها أو نقبلها إلّا إذا اعترفوا بالمقدمات مثل اعتراف النتيجة». انتهى كلامه.
أقول : استفيد من كلامه أربع فوائد : الأولى : إن الحواريين والقدماء المسيحية كانوا يعتقدون أن القيامة تقوم في عهدهم ، وان يوحنّا لا يموت إلى قيامها. أقول هذا حق ، إذ قد عرفت في القسم الثاني من الفصل الثالث في بيان الأغلاط أن أقوالهم صريحة في أن القيامة تقوم في عهدهم. وقال المفسّر يارنس في شرح الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنّا هكذا : «نشأ هذا الغلط أن يوحنّا لا يموت من ألفاظ عيسى التي كانت تفهم غلطا بالسهولة. وتأكد هذا الأمر من أن يوحنّا بقي على قيد الحياة بعد الحواريين أيضا». انتهى. وقال جامعو تفسير هنري واسكات هكذا : «والغالب أن مراد المسيح بهذا القول الانتقام من اليهود. لكن الحواريين فهموا غلطا أن يوحنّا يبقى حيّا إلى القيامة أو يرفع حيّا في الجنة. ثم قالوا : تعلموا من هاهنا أن رواية الإنسان تكون بلا تحقيق وإن بناء الإيمان عليها حمق ، لأن هذه الرواية كانت رواية الحواريين ، وكانت عامّة بين الإخوة ، وكانت أوّلية ومنتشرة ورائجة ، ومع ذلك