نتيجة هذا الاختلاط أن الصدق والكذب والأحوال الصادقة والحكايات الكاذبة التي اجتمعت في رواية طويلة وصارت قبيحة الشكل ، اختلطت اختلاطا شديدا. وهذه الحكايات كلما انتقلت من فم إلى فم صارت كريهة غير محقّقة بمقدار الانتقال. ثم أرادت الكنيسة في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث أن تحافظ على الإنجيل الصادق وتبلغ إلى الأمم الآتية الحال الصحيح ، على حسب قدرته ، فاختارت هذه الأناجيل الأربعة من الأناجيل الرائجة في هذا الوقت لمّا رأتها معتبرة وكاملة. ولا توجد إشارة إلى إنجيل متّى ومرقس ولوقا قبل آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث. ثم الذي ذكر أولا هذه الأناجيل ، أرينيوس في سنة ٢٠٠ تخمينا ، وأورد بعض الدلائل على عددها ثم اجتهد في هذا الباب اجتهادا عظيما كلنميس إسكندريانوس في سنة ٢١٦ ، وأظهر أن هذه الأناجيل الأربعة واجبة التسليم. فظهر من هذا أن الكنيسة في آخر القرن الثاني ، أو ابتداء القرن الثالث ، اجتهدت في أن تسلّم عموما هذه الأناجيل الأربعة التي كان وجودها من قبل ، وإن لم تكن في جميع الحالات هكذا. وأرادت أن يترك الناس الأناجيل التي هي غيرها ، ويسلّمون هذه الأربعة. ولو جرّدت الكنيسة الإنجيل الأصلي ، الذي حصل للواعظين السابقين لتصديق وعظهم ، عن الإلحاقات وضمّته إلى إنجيل يوحنّا ، لكانت الأمم الآتية شاكرة عظيمة لها. لكن هذا الأمر ما كان ممكنا لها ، إذا لم تكن نسخة خالية عن الإلحاق. وكانت الأسباب التي يعرف بها الأصل والإلحاقات في غاية القلّة. ثم قال أكهارن في الحاشية : إن كثيرا من القدماء كانوا شاكّين في الأجزاء الكثيرة من أناجيلنا هذه ، وما قدروا أن يفصلوا الأمر. ثم قال أكهارن : إنه لا يمكن في زماننا ، لأجل وجود صنعة الطبع ، أن يحرّف كتاب أحد ، ولم يسمع هذا الأمر. لكن حال الزمان السابق الذي لم يخترع فيه الصّنعة المذكورة مخالف لهذا الزمان ، لأن النسخة الواحدة المملوكة لواحد ، هذا الأمر ممكن فيها. فإذا نقلت عن هذه النسخة نسخ متعدّدة ، ولم يحقّق أن هذه النسخة مشتملة على كلام المصنّف فقط أم لا ، فهذه النقول تنتشر لأجل عدم العلم. وكثير من النّسخ المكتوبة في الأزمنة المتوسطة موجودة الآن أيضا ، ومتوافقة في العبارات الإلحاقية أو الناقصة ، ونرى كثيرا من المرشدين أنهم يشكون شكاية عظيمة أن الكاتبين وملّاك النّسخ حرّفوا مصنّفاتهم بعد مدة قليلة من تصنيفهم ، وحرّفت رسائل ديوني سيش قبل أن ينتشر نقولها ، كما يشكو أن تلامذة الشيطان أدخلوا فيها نجاسة : أخرجوا بعض الأشياء وزادوا بعضها من جانبهم. وعلى هذه الشهادة ما بقيت الكتب المقدسة محفوظة ، وإن لم تكن عادة أهل ذلك الزمان التحريف ، لما كتب المصنّفون في ذلك الزمان في آخر كتبهم اللّعن والأيمان الغليظة لئلا يحرّف أحد كلامهم. وهذا الأمر قد وقع بالنسبة إلى تاريخ عيسى عليهالسلام أيضا البتّة. وإلّا لما ذا يتعرّض سلسوس أنهم بدّلوا أناجيلهم ثلاث مرّات أو أربع مرّات