التحريف ، كما ستعرف في الباب الثاني. وأبيّن لك حال كليمنس وأكناثيوس ليظهر لك الحال.
فاعلم أنه ينسب إلى كليمنس أسقف الرم مكتوب واحد كتبه من جانب كنيسة الروم إلى كنيسة قورنثيوس ، واختلفوا في عام تحريره. فقال آف كينتربري : إن هذا العام ما بين أربعة وستّين وسبعين ، وقال ليكلرك : إنه سنة ٦٩ ، وقال ديوين وتلي منت : إن كليمنس ما صار أسقفا إلى سنة ٩١ أو سنة ٩٣ ، وإذا لم يكن أسقفا إلى هذا الحين فكيف يصدق القولان السابقان؟ واختار المؤرّخ وليم ميورانه سنة ٩٥ ، واختار المفسّر لاردنر أنّه سنة ٩٦ ، وإني أقطع النظر عن هذا الاختلاف ، وأقول إنه لا يجاوز عام تحريره على زعمهم ستّة وتسعين ، ووقع اتفاقا بعض فقراته موافقة لبعض فقرات إنجيل من هذه الأناجيل المتعارفة في بعض المضمون. فيدعون تحكّما أنه نقل عن هذه الأناجيل ، وهذا الادّعاء ليس بصحيح لوجوه : الأول : إنه لا يلزم من توافق بعض المضامين النقل ، وإلّا يلزم أن يكون ادّعاء الذين يسمّيهم علماء بروتستنت بالملحدين ادّعاء واقعيا ، لأنهم يدّعون أن الأخلاق الحسنة التي توجد في الإنجيل منقولة عن كتب الحكماء والوثنيين. قال صاحب إكسيهومو : «إن الأخلاق الفاضلة التي توجد في الإنجيل ويفتخر بها المسيحيون ، هي منقولة لفظا لفظا من كتاب الأخلاق لكنفيوشس الذي كان قبل ستمائة سنة من ميلاد المسيح. مثلا في الخلق الرابع والعشرين من كتابه هكذا : «افعلوا بالآخر كما تحبّون أن يفعل هو بكم ولكم حاجة إلى هذا الخلق فقط وهذا أصل جميع الأخلاق». وفي الخلق الحادى والخمسين هكذا : «لا تطلب موت عدوّك لأن هذا الطلب عبث وحياته في قدرة الله». وفي الخلق الثالث والخمسين : «أحسنوا إلى من أحسن إليكم ولا تسيئوا إلى من أساء إليكم». وفي الخلق الثالث والستّين : «يمكن لنا الإعراض عن العدو بدون الانتقام وخيالات الطبع لا تدوم أثيمة». انتهى كلامه. وهكذا يوجد نصائح جيّدة في كتب حكماء الهند واليونان وغيرهم. والثاني : إن كليمنس لو نقل عن هذه الأناجيل لطابق نقله الأصل في المضمون كله ، لكنه ليس كذلك. فالمخالفة أدلّ دليل على أنه ما نقل عن هذه الأناجيل. بل لو ثبت نقله فهو ناقل عن الأناجيل الأخرى التي كانت في زمانه غير هذه الأربعة ، كما أقرّ أكهارن في حق الفقرة التي نقلها في بيان صوت السماء. الثالث : إنه كان من التابعين ، وكان وقوفه على أقوال المسيح وأحواله مثل وقوف مرقس ولوقا. فالغالب أن نقله كنقلهما عن الروايات التي حفظها لا عن هذه الأناجيل. نعم لو كان التصريح في كلامه بالنقل لكان هذا الادّعاء في محله ، لكنه لم يوجد فهذا الادّعاء ليس في محله. وأنقل عن مكتوبه ثلاث عبارات على وفق عدد التثليث.
العبارة الأولى : «من أحبّ عيسى فليعمل على وصيّته». انتهت. فادّعى مستر جونس