الله سبحانه وتعالى على عيسى ابن مريم عليهمالسلام». ثم ردّ كون هذه الأناجيل الأربعة الإنجيل الأصلي بعبارة طويلة. فقال : «وأما الذي جاء به عيسى فهو إنجيل واحد لا تدافع فيه ولا اختلاف ، وهؤلاء كذّبوا على الله سبحانه وتعالى وعلى نبيّه عيسى عليهالسلام». انتهى. وقال صاحب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى : «إن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم. وهم يعلمون قطعا أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها على المسيح. وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزله على المسيح قصة صلبه ، وما جرى له ، وأنه أصابه كذا وكذا ، وأنه قام من القبر بعد ثلاث ، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى». انتهى. ثم قال : «وقد ذكر غير واحد من علماء الإسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه. ولو لا الإطالة وقصد ما هو أهم منه لذكرنا منه طرفا كبيرا». انتهى.
ومن طالع بالتأمّل هذا الباب الأول من كتابي ظهر له صدق دعوى أهل الإسلام كالشمس في رابعة النهار. ولا حاجة أن أطيل في هذا الباب ، لكني أستحسن بملاحظة بعض الأمور أن أنبّه على تغليطين آخرين أيضا. الأول : إن علماء بروتستنت يدعون تارة لتغليط العوامّ أنه يوجد سند لهذه الأناجيل في القرن الأول والثاني لأنه قد شهد بوجودها كليمنس أسقف الروم وأكناثيوس وغيرهما من العلماء الذين كانوا في القرنين الأوّلين. الثاني : إن مرقس كتب إنجيله بإعانة بولس ، وبطرس وبولس كانا ذوي إلهام. فهذان الإنجيلان بهذا الاعتبار إلهاميان. فأقول في جواب التغليط الأول : إن السند المتنازع بيننا وبينهم السند المتصل ، وهو عبارة أن يروي الثقة بواسطة أو بوسائط عن الثقة الآخر بأنه قال إن الكتاب الفلاني تصنيف فلان الحواري أو فلان النبيّ ، وسمعت هذا الكتاب كله من فيه أو قرأته عليه أو أقرّ عندي أن هذا الكتاب تصنيفي ، وتكون الواسطة أو الوسائط من الثقات الجامعين لشروط الرواية. فنقول إن مثل هذا السند لا يوجد عندهم من آخر القرن الثاني أو أوّل القرن الثالث إلى مصنّف الأناجيل. وطلبنا هذا السند مرارا وتتبّعنا في كتب إسنادهم فما نلنا المطلوب ، بل اعتذر القسّيس فرنج في مجلس المناظرة أنه لا يوجد السند الكذائي عندنا لأجل وقوع الحوادث العظيمة في القرون الأولى من القرون المسيحية إلى ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة. فهذا السند لا يوجد في كلام كليمنس أسقف الروم ولا أكناثيوس ولا غيرهما إلى آخر القرن الثاني. ولا ننكر الظن والتخمين ، ولا نقول إنهم لا ينسبون كتبهم إلى مصنّفها بالظن والقرائن أيضا ، بل نقول إن الظن والقرائن لا تسمّى سندا ، كما علمت في الفصل الثاني ، ولا ننكر اشتهار هذه الأناجيل في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث وما بعده اشتهارا ناقصا قابلا للتحريف غير مانع عنه ، بل نقرّ بالاشتهار الناقص الذي لا يمنع عن