الأحوال ، وعلى نبوّتهم ، لأنهم لم يدّعوا النبوّة لأنفسهم ، وإنما ادّعوا التبليغ عن عيسى عليهالسلام». ثم قال : «فظهر من هذا البحث أن الإنجيل المدّعى لم ينقل تواترا ، ولم يقم دليل على عصمة ناقليه. فإذا يجوز الغلط والسهو على ناقليه فلا يحصل العلم بشيء منه ، ولا غلبة الظن ، فلا يلتفت إليه ، ولا يعوّل في الاحتجاج عليه. وهذا كاف في ردّه وبيان قبول تحريفه وعدم الثقة بمضمونه. ولكنّا مع ذلك نعمد منه إلى مواضع يتبيّن فيها تهافت نقلته ووقوع الغلط في نقله». انتهى كلامه بلفظه. ثم نقل المواضع المذكورة فقال : «فقد حصل من هذا البحث الصحيح أن التوراة والإنجيل لا يحصل الثقة بهما ، فلا يصحّ الاستدلال بهما لكونهما غير متواترين وقابلين للتغيّر. وقد دلّلنا على بعض ما وقع فيهما من ذلك. وإذا جاز مثل ذلك في هذين الكتابين ، مع كونهما أشهر ما عندهم وأعظم عمدهم ومستند ديانتهم ، فما ظنّك بغير ذينك من سائر كتبهم التي يستدلّون بها مما ليس مشهورا مثلهما ولا منسوبا إلى الله نسبتهما؟ فعلى هذا هو أولى بعدم التواتر وبقبول التحريف منهما». انتهى كلامه بلفظه. وهذا الكتاب موجود في القسطنطينية في كتبخانة كويرلي.
وقال العلّامة المقريزي : وكان في القرن الثامن من القرون المحمدية في المجلد الأول من تاريخه في ذكر التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط هكذا : «تزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط ، وتزعم النصارى أن توراة السبعين التي هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف ولا تبديل ، وتقول اليهود في خلاف ذلك ، وتقول السامرية بأن توراتهم هي الحق وما عداها باطل. وليس في اختلافهم ما يزيل الشك بل يقوّي الجالبة له. وهذا الاختلاف بعينه بين النصارى أيضا في الإنجيل. وذلك أن له عند النصارى أربع نسخ مجموعة في مصحف واحد ، أحدها إنجيل متّى ، والثاني لمارقوس ، والثالث للوقا ، والرابع ليوحنّا ، قد ألّف كلّ واحد من هؤلاء الأربعة إنجيلا على حسب دعوته في بلاده. وهي مختلفة اختلافا كثيرا حتى في صفات المسيح عليهالسلام وأيام دعوته ووقت الصلب بزعمهم وفي نسبه أيضا. وهذا الاختلاف لا يحتمل مثله. ومع هذا فعند كلّ من أصحاب مرقيون وأصحاب ابن ويصان إنجيل يخالف بعضه هذه الأناجيل. ولأصحاب ماني إنجيل على حدة يخالف ما عليه النصارى من أوله إلى آخره ، ويزعمون أنه هو الصحيح ، وما عداه باطل. ولهم أيضا إنجيل يسمى إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس ، والنصارى وغيرهم ينكرونه. وإذا كان الأمر من الاختلاف بين أهل الكتاب كما قد رأيت ، ولم يكن للقياس والرأي مدخل في تميّز حق ذلك من باطله ، امتنع الوقوف على حقيقة ذلك من قبلهم ، ولم يعوّل على شيء من أقوالهم فيه» انتهى كلامه بلفظه.
وقال صاحب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون في بيان الإنجيل : «كتاب أنزله